ولا يخفى عليك ما فيه ، فإنّ ما ذكره وإن كان متينا كما تقدّم إلّا أنّه يتمّ في مقام الإثبات ، فإنّ الإطلاق والتقييد في مقام الإثبات يعني في لسان الدليل كما ذكره فالإطلاق عبارة عن عدم القيد ، إلّا أنّه في مقام الثبوت ليس كذلك ، فإنّ الإطلاق والتقييد في مقام الثبوت كلاهما أمر وجودي ؛ لأنّه تعلّق الإرادة بالمطلق وتعلّق الإرادة بالمقيّد فهما أمران وجوديّان فلا يثبت أحدهما بنفي الآخر إلّا بالأصل المثبت.
وربّما يتمسّك بالاستصحاب لقاعدة الاحتياط كما ربّما يتمسّك به للبراءة. أمّا التمسّك به للأوّل فبأن يقال : إنّه بعد إتيان الأقلّ يشكّ في ارتفاع الأمر وسقوطه وعدمه فيستصحب كلّي التكليف ؛ لأنّ التكليف إن كان متعلّقا بالأقلّ فقد ارتفع قطعا ، وإن كان متعلّقا بالأكثر فهو باق قطعا ؛ لأنّه ارتباطيّ فيستصحب كلّي التكليف وهو القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلّي ، نظير من تيقّن حصول حدث منه وقد توضّأ وشكّ في أنّه أصغر أو أكبر فيستصحب كلّي الحدث.
والجواب أنّ هذا الاستصحاب يجري في مسألة الحدث ؛ لأنّ أصالة عدم الأصغر معارضة بأصالة عدم الأكبر فالاصول الحاكمة متعارضة بخلافها في المقام ؛ لأنّ أصالة عدم التكليف بالأكثر لا يعارضها أصالة عدم الأقلّ لوجوبه على كلّ حال ، فتكون أصالة عدم الأكثر غير معارضة فيكون حاكما على الاستصحاب ورافعا للشكّ حينئذ فلا يجري الاستصحاب.
(وبعبارة اخرى : أنّ الاستصحاب في مسألة الحدث إنّما يجري لعدم المعيّن لأحدهما ، وأمّا في المقام فإنّ أصالة عدم التقييد إذا ضمّت إلى الوجدان يتعيّن وجوب الأقلّ ، هذا كلّه لو قلنا بجريان الاستصحاب في الحكم الكلّي ، أمّا لو قلنا بعدم جريانه لكونه معارضا بأصالة عدم الجعل ، لكون الشكّ في مقدار الجعل وسعته ، فالأصل عدم جعل ما زاد على الأقلّ فلا استصحاب حينئذ) (١).
__________________
(١) ما بين القوسين من إضافات بعض الدورات اللاحقة.