وأمّا جريان الاستصحاب لجريان البراءة فقد عبّر عنه الشيخ الأنصاري قدسسره :
ـ تارة باستصحاب عدم وجوب الجزء المشكوك ، بمعنى أنّا نعلم بتوجّه التكليف إلى الركوع والسجود والقراءة وغيرها من الأجزاء القطعيّة ونشكّ في توجّه التكليف بالسورة بعد أن لم يكن فالاستصحاب يقضي بالعدم.
ـ واخرى باستصحاب عدم التكليف بالمركّب من السورة وغيرها ؛ لأنّه في زمن ما لم يكن التكليف بالمركّب يقينا فيستصحب عدمه.
ـ وثالثة باستصحاب عدم لحاظ المولى حين التكليف للسورة (١).
ولا يخفى أنّ هذا التقرير الأخير لعلّه من طغيان القلم ؛ لأنّ عدم اللحاظ ليس حكما شرعيّا ولا له أثر شرعي ، فلا معنى لتعبّد الشارع بالأصل فيه. وأمّا الوجهان الآخران فإن قلنا بمقالة النائيني من أنّ استصحاب عدم الجعل لا يثبت عدم المجعول إلّا بالأصل المثبت (٢) فلا يجدي حينئذ ، وإن قلنا بأنّه ليس بمثبت وأنّ عدم الجعل معناه عدم المجعول ـ كما هو الحقّ وقد تقدّم ـ فيجري الاستصحاب ويثبت به البراءة الشرعيّة ، ولا حاجة حينئذ إلى أصالة البراءة لجريان الاستصحاب ، إلّا أنّ الظاهر بعد استحالة الإهمال في الواقعيّات فالأمر المعلوم توجّهه نحو المكلّف إمّا أن يكون بالمجموع بنحو يشمل الجزء المشكوك أو بنحو لا يشمله فهما نحوان متباينان ، وحينئذ فاستصحاب عدم الأكثر معارض باستصحاب عدم الأقلّ فلا مجرى للاستصحاب من جهة تحقّق المعارضة ، فلا مجال إلّا لجريان البراءة من التقييد الغير المعارضة بجريان البراءة من الإطلاق لما مرّ.
هذا تمام الكلام في جريان البراءة في الشكّ في الأقلّ والأكثر الارتباطيّين وقد تقرّر أنّه مجرى البراءة العقليّة والشرعيّة وأنّه لا معنى للتفكيك بينهما ، فإن اخترنا عدم جريان البراءة العقليّة فلا بدّ من عدم جريان البراءة الشرعيّة أيضا.
__________________
(١) انظر فرائد الاصول ٢ : ٣٣٦ ـ ٣٣٧.
(٢) انظر أجود التقريرات ٣ : ٥٠٦.