وملخّص ما ذكر في جريان البراءة العقليّة تقريبان :
أحدهما : للشيخ الأنصاري قدسسره وهو أنّ الأقلّ متيقّن الوجوب إمّا لنفسه أو لغيره ؛ لأنّه مقدمة للكلّ فنعلم تفصيلا بجامع الوجوب بالنسبة إليه فينحلّ العلم الإجمالي وينفى وجوب الزائد بالبراءة (١).
وفيه : أنّ الأجزاء لا تتّصف بالوجوب المقدّمي ؛ لأنّ الوجوب المقدّمي إنّما يتعلّق بما يكون مغايرا في الوجود مع ذي المقدّمة لا بما يكون هو هو ، ويكون التغاير بينهما لحاظيّا.
ومن ثمّ عدل المتأخّرون عن الشيخ عن هذا التقرير إلى :
التقرير الثاني : وهو أنّ الوجوب النفسي المنبسط على جميع الأجزاء قد علم تحقّقه بالنسبة إلى الأجزاء المعلومة ويشكّ في توجّهه إلى الأجزاء المشكوكة فينفى تعلّقه بالأجزاء المشكوكة بالأصل يعني بأصل البراءة.
وقد أشكل عليهم الميرزا قدسسره بأنّ العلم الإجمالي إنّما تعلّق بالطبيعة أي بطبيعة العمل المركّب من هذه الأجزاء إلّا أنّه لا يعلم أنّه تعلّق بها لا بشرط أو تعلّق بها بشرط شيء ، وحيث إنّها ارتباطيّة فالإتيان بتلك الأجزاء المعلومة غير محرز للفراغ اليقيني للشكّ في الامتثال ؛ لأنّه على تقدير كون الوجوب النفسي متعلّقا بها بشرط شيء لا يكون الإتيان بها وحدها امتثالا (٢).
ولا يخفى عليك عدم ورود ما أورده قدسسره لأنّ العلم الإجمالي بالتكليف منحلّ بأصالة البراءة من الأكثر ، بمعنى أصالة البراءة من تقييد وجوب هذه الأجزاء بشرط انضمام بقيّة الأجزاء المشكوكة إليها ، ولا يعارضها أصالة البراءة من الإطلاق ؛ لأنّ الإطلاق ليس تكليفا حتّى تجري البراءة بالنسبة إليه ،
__________________
(١) فرائد الاصول ٢ : ٣٢٣.
(٢) انظر أجود التقريرات ٣ : ٤٩٣.