الثاني : أنّه يمكن أن يوجّه تكليف بما لا بدّ منه من الأجزاء دائما حتّى حال النسيان إلى عامّة المكلّفين ثمّ يوجّه خطاب آخر الى خصوص الذاكرين ببقيّة الأجزاء ، فيكون العمل الفاقد لبعض هذه الأجزاء مأمورا به بالأمر الأوّلي المطلق حتّى بالنسبة إلى الناسي وإن لم يكن الأمر الثاني متوجّها إليه لاختصاصه بالذاكر.
ولا يخفى أنّ الوجه الأوّل خيالي وهمي ، لعدم عنوان ملازم للناسي بحيث لا يعلم الناسي بملازمته الواقعيّة ، مضافا إلى اختلاف الناسي من حيث الأجزاء المنسيّة ، فإنّه تارة ينسى كلّي القراءة واخرى خصوص السورة وثالثة إحدى السجدتين ورابعة الذكر في الركوع أو في السجود واخرى ينسى التشهّد ، ومضافا إلى اختلاف ما ينسى فيه فإنّها تارة صلاة ، واخرى غير صلاة والصلاة تارة صلاة صبح واخرى عصر وثالثة ظهر ورابعة مغرب وخامسة عشاء ، وهكذا ... فأيّ عنوان ملازم يكون جامعا بين أفراده المختلفة حقيقة أو مصداقا؟ فالعمدة هو الوجه الثاني.
ولا ريب أنّ الوجه الثاني ثبوتا لا مانع منه ، إذ الجعل للحكم إنّما هو اعتبار كون شيء في ذمّة المكلّف ، وهذا ممكن بما قرّره قدسسره بأن يعتبر كون الأجزاء القوامية في ذمّة جميع المكلّفين ، ثمّ يعتبر بقيّة الأجزاء في ذمّة خصوص الذاكرين فيوجّه الخطاب حينئذ إلى الناسي بهذه الوسيلة ، فيكون العمل صحيحا من جهة توجّه الخطاب به لا بصرف الملاك الملزم ، ويكون إفهامه به ولو بإخباره بعد العمل أو قبله كأن يقول الإمام عليهالسلام مثلا : «لا تعاد الصلاة إلّا من خمس» (١) مثلا فيطّلع المكلّف بأنّ ترك الأجزاء الغير المستثناة مثلا ليست أجزاء حال النسيان ، ولكنّه يكون تطبيقه لهذه الكبرى الكلّية بعد فراغه عن العمل والتفاته إلى أنّه كان ناسيا لبعض أجزائه.
نعم ، يكون حين العمل متخيّلا لتوجّه خطاب الذاكر إليه وهو في الحقيقة لم يتوجّه إليه خطاب الذاكر وإنّما توجّه إليه خطاب الناسي ، فهو يأتي بالعمل بداعي الأمر
__________________
(١) الوسائل ٤ : ٦٨٣ ، الباب الأول من أبواب أفعال الصلاة ، الحديث ١٤.