ومع تسليم كون هذه الموارد بأسرها ضرريّة خارجة من عموم لا ضرر فهو أيضا ليس تخصيصا للأكثر قطعا ؛ لأنّ «لا ضرر» تجري حتّى في هذه الموارد بالنسبة إلى ما زاد على هذا الضرر ، مثلا لو كان أداء الخمس يستدعي ضررا بدنيّا لا إشكال في سقوطه أو كان الوضوء بماء ـ مضافا إلى أنّه يستدعي ثمنا أضعاف قيمته ـ مستوجبا للتضرّر البدني يسقط وجوبه حينئذ قطعا ، وكذا في الجنايات والضمانات ؛ ولذا لم يحكموا بالقصاص فيما يكون قابلا للزيادة والنقيصة في الاقتصاص.
وبالجملة ، فخروج هذه الموارد منه ـ لو سلّم أنّها ضرر ومشمول للحديث ـ ليس تخصيصا للأكثر قطعا ، فافهم.
التنبيه الثالث : ربّما يتوهّم كون النسبة بين أدلّة الأحكام وقاعدة لا ضرر عموما من وجه ؛ لأنّ أدلّة الأحكام تقتضي وجوب متعلّقها مثلا مطلقا سواء كان ضرريّا أم لا ، وقاعدة «لا ضرر» بالنسبة إلى كلّ مورد تقتضي نفي الضرر سواء كان في ذلك الحكم أم لا فيجتمعان في ذلك المورد حيث يكون ضرريّا ، وحينئذ فلا بدّ من الخروج عن التعارض بينهما بوجوه :
أحدها : ترجيح أدلّة «لا ضرر» لانجبارها بفتوى المشهور فتتقدّم لذلك على غيرها ، ومع عدم الشهرة أو عدم إحرازها فالحكم بالتساقط والرجوع إلى قاعدة البراءة حيث يتعارضان أو الاستصحاب.
الثاني : دعوى كون التعارض تعارض العموم المطلق ؛ لأنّ «لا ضرر» يعارض الأحكام كلّها بنحو المجموع دفعة فلا بدّ من تقديمه لأخصّيته.
الثالث : دعوى كون التعارض عموما من وجه إلّا أنّ التقديم لقاعدة لا ضرر من جهة أنّ تقديم أدلّة الأحكام يوجب عدم المورد لها ، وتقديمها لا محذور فيه ، وتقديمها على بعض دون بعض ترجيح من غير مرجّح ، فيتعيّن الوسط وهو تقديمها.