ولا يخفى عليك أنّا قد أنكرنا الدلالة المطابقيّة ذاتها ؛ لأنّه ليس مفاد دليل الحجّيّة جعل المؤدّى بمنزلة الواقع لأدائه إلى التصويب ، بل إنّ الآخوند نفسه لم يلتزم به لأدائه إلى ما ذكر ، وإنّما التزم بجعل التنجيز والإعذار كما تقدّم إلّا أنّا نتكلّم في الكبرى الكلّية وإن لم يكن لها مصداق في المقام فنقول إنّ دليل الحجّيّة إن كان مركّبا من جزءين كالماء الكر مثلا ، فإن أحرز جزءاه بالوجدان أو التعبّد أو بالتفريق فلا كلام ، وإن قام الدليل على أحد الجزءين ولم يكن لهذا الجزء أثر شرعي يصح الجعل بلحاظه كما لو استصحبت كرّية المائع فإنّها لا أثر لها ما لم يحرز كونه ماء ، فصونا لكلام الحكيم عن اللغوية لا بدّ من الالتزام بكون ذلك المقام بخصوصه يجعل لازمه الّذي هو الجزء الثاني وإن لم يرد فيه دليل بالخصوص فنلتزم بعدم شمول الإطلاق له حينئذ ، بمعنى أنّ دليل التنزيل لا يشمل هذا الفرد كما في الأصل المثبت ؛ لأنّ الشمول مع عدم الأثر لا معنى له والأثر مستلزم للدور ؛ لأنّ الملازمة موقوفة على الدلالة المطابقيّة فإن كانت الدلالة المطابقيّة موقوفة على الدلالة الالتزامية لزم الدور المحال ، وما ذكر من المثال ليس مثالا للازم والملزوم وإنّما هو مثال للموضوع المركب من جزءين ، فافهم) (١).
وأمّا قيام الأمارة مقام القطع المأخوذ في الموضوع بنحو الكاشفيّة بدليل حجّيّتها فلا مانع منه ؛ لأنّ دليل حجّيّتها إنّما يتكفّل جعل الطريقيّة لها ، فحيث إنّ الظنّ ليس طريقا تامّا فدليل حجّيته يتمّم كشفه الناقص ويكون ملغيا لاحتمال الخلاف بمعنى أنّه يجعله قطعا فتترتّب عليه أحكام القطع من التنجيز والإعذار وغيرهما. وحينئذ فلو قام الدليل على أنّ ظنّ الإمام أمارة للمأموم فيكون ظنّ الإمام بمنزلة قطع المأموم في ترتيب آثار الواقع عليه ، وإذا ترتّبت آثار المنكشف تترتّب آثار نفس الكشف من التنجيز والإعذار عقلا عليه.
__________________
(١) ما بين القوسين من إضافات بعض الدورات اللاحقة.