الثاني : ما إذا دار الضرر بين مكلّفين والعمدة الكلام في هذا القسم ، وكلام الأصحاب غير منقّح في هذه المسألة ، كما اعترف به الشيخ الأنصاري (١) والميرزا النائيني (٢).
والّذي ينبغي أن يقال : إنّ مسألة وقوع الضرر بأحد المكلّفين إمّا أن يكون بلا دخل لحكم الشارع فيه أصلا بل الضرر حاصل ، كان شارع أو لم يكن شارع ، مثل ما إذا أدخلت الدابّة رأسها في قدر غير مالكها.
وإمّا أن يكون وقوع الضرر مستندا لحكم شرعي ، مثل ما إذا أراد إنسان أن يحفر بالوعة في داره وكانت مضرّة بجاره فجواز الحفر يوجب وقوع الجار في الضرر وحرمة الحفر توجب وقوع المالك في الضرر ، فالضرر مستند إلى حكم بالتحريم أو الترخيص.
أمّا الكلام في الأوّل فنقول : إنّه نسب إلى المشهور (٣) تقديم أقلّ الضررين فتكسر القدر ويغرم صاحب الدابّة قيمته لصاحبه ، ولا نرى وجها لذهاب المشهور إلى ذلك. فالتحقيق أن يقال :
ـ إنّه تارة يكون المالك للدابّة هو الّذي أدخل رأسها في قدر الغير أو أنّ صاحب القدر هو الّذي أدخل رأس دابّة الغير في قدره ، وفي مثل ذلك لا ريب في أنّ المتعدّي غاصب فيلزم بتخليص مال الغير وإن أدّى إلى تلف ماله.
ـ وتارة يكون الأجنبيّ هو الّذي أدخل رأس دابّة الغير في قدر الغير ، وهنا لا إشكال في أنّه يضمن الضرر المترتّب على عمله.
ـ وثالثة : تكون الدابّة بنفسها قد أدخلت في القدر رأسها من دون دخل لأحد في ذلك أصلا ، فالمشهور في هذه المسألة هو تقديم أقلّ الضررين ، ومن الغريب أنّهم
__________________
(١) رسائل فقهيّة : ١٢٦.
(٢) منية الطالب ٣ : ٤٢٥.
(٣) المسالك ١٢ : ٢٤٣ ، ومفتاح الكرامة ٦ : ٢٨٧ ، والفرائد ٢ : ٤٧١.