فهذا هو وجه ذهاب الشيخ الأنصاري قدسسره إلى تخصيص حجّية الاستصحاب بخصوص الشكّ في الرافع (١) وتبعه على ذلك الميرزا النائيني قدسسره (٢) وردّ ما يتوهّم من أن جملة من الأخبار خالية عن التعبير بالنقض كقوله : «من كان على يقين فشكّ فليمض على يقينه فإنّ اليقين لا يرفع بالشك» (٣) ومثل قوله فيمن أعار ثوبه من ذمّي وسأله عن وجوب غسله : «لا ، لأنّك أعرته إيّاه وهو طاهر ولم تستيقن أنّه نجّسه» (٤) فهذه الأخبار توجب تعميم الحكم ، لأنّ الأخبار السابقة قاصرة عن شمول موارد الشكّ في المقتضي إلّا أنّ هذه الأخبار عامّة.
وقد ردّها الميرزا بأنّ الاولى فيها «فليمض على يقينه» وهي ظاهرة في أنّ يقينه ممّا يقتضي الاستمرار لو لا الشكّ (٥) خصوصا مع قوله : «فإنّ اليقين لا يرفع بالشكّ» فكأنّه رفع لما هو مستمرّ. والثانية رواية خاصّة بموردها وإنّما يتعدّى عنها بالقطع ، والقطع إنّما هو متحقّق بعدم الفرق بين من يعير ثوبه لذمّي أو حربي واحتمال التنجيس بالخمر والخنزير كما هو مورد الرواية أو غيرهما. وأمّا القطع بعدم الفرق بين كون الشكّ في المقتضي أو الرافع كما هو مورد الرواية فليس بحاصل ، فلا تكون دالّة على عدم الفرق. هذا غاية تقريب ما ذهب إليه الشيخ الأنصاري والميرزا النائيني قدسسرهما.
قال الاستاذ الخوئي دامت إفاداته : لا يخفى عليك أنّ القول بعدم جريان الاستصحاب في الشكّ في المقتضي وما يلحقه من الشكّ في الغاية مفهوما وحكما
__________________
(١) انظر فرائد الاصول ٣ : ١٥٩ ـ ١٦٤.
(٢) انظر أجود التقريرات ٤ : ٢٩ ـ ٣٠.
(٣) الإرشاد للمفيد ١ : ٣٠٢.
(٤) الوسائل ٢ : ١٠٩٥ ، الباب ٧٤ من أبواب النجاسات ، الحديث الأوّل.
(٥) انظر أجود التقريرات ٤ : ٦٩ ـ ٧٠.