ورابعا : أنّا نجري الاستصحاب فيه وإن قلنا بمقالة الشيخ ، ضرورة أنّ ما ذكره الشيخ دليلا لعدم جريان الاستصحاب في الحكم العقلي إنّما يخصّ الأحكام ولا يجري في الموضوعات ، وقد ذكر الشيخ الأنصاري في أواخر الاستصحاب اعتبار اتّحاد الموضوع في جريان الاستصحاب ليصدق النقض ، ثمّ ذكر المناط في الاتّحاد وأنّه العرف ، وليس اتّباع العرف في ذلك إلّا من جهة تطبيق «لا تنقض اليقين بالشكّ» فإنّ المرجع لفهم كلامهم إنّما هو العرف (١) فهو المحكّم في صدق النقض وعدمه.
والعرف مختلف فقد يرى العلم والرأي تمام الموضوع في التقليد فبفقدهما يفتقد الموضوع ، فلو حكم الشرع بوجوب التقليد له يراه إسراء حكم من موضوع إلى موضوع آخر ، وكذلك العدالة في جواز الائتمام مثلا. وقد يرى العرف الوصف علّة للثبوت لا أنّه هو الموضوع كالتغيّر في الماء فإنّ الشارع إذا حكم بنجاسته بعد زوال التغيّر لا يراه العرف إلّا إبقاء للحكم السابق.
وبالجملة ، فالعرف في المقام يرى أنّ الوصف واسطة للثبوت لا أنّه تمام الموضوع بخلاف المتقدّم ، ولا يراه نقضا في الأمثلة المتقدّمة لو غيّر الحكم ، بخلافه في هذا المثال فإنّه يراه نقضا.
ولا يخفى أنّ تفصيل الشيخ قدسسره مبنيّ على مقدّمتين :
الاولى : أنّ الحاكم أيّا كان لا يشكّ في موضوع حكمه ، لأنّ موضوع حكمه بيده لا بيد غيره حتّى يخفى عليه ، فما لم يتغيّر الموضوع لحكم العقل لا شكّ ، ومع التغيّر يرتفع حكم العقل.
الثانية : أنّ حكم العقل بشيء يتبعه حكم الشرع ، ولا ريب أنّ حكم العقل يتبع موضوعه فبارتفاع أيّ جزء أو شرط من أجزاء موضوعه أو شرائطه يرتفع حكم
__________________
(١) انظر المصدر المتقدّم : ٢٩٥.