إذا عرفت هذه المقدّمة فاعلم أنّ النراقي لا يقول باختصاص حجّية الاستصحاب بالشبهات الموضوعيّة من جهة أنّ مورد روايات الاستصحاب كلّها من الشبهات الموضوعيّة ليرد عليه أنّ عموم التعليل يدفع خصوصيّة المورد ، بل إنّما يقول بالمنع من الجريان للمعارضة ، لأنّ كلّ مورد من موارد الشبهات الحكميّة يتعارض فيه استصحابان فيسقطان من جهة المعارضة بينهما.
بيان ذلك مثلا أنّ الماء المتغيّر إذا زال تغيّره فحكمه مشتبه في أنّه الطهارة أو النجاسة ، فإذا أردنا أن نستصحب نجاسته الّتي كانت قبل زوال التغيّر مثلا بقاعدة «لا تنقض اليقين بالشكّ» فتثبت نجاسته ، ولكن هذا الشكّ ناشئ من سعة موضوع النجس وضيقه ، لأنّ النجاسة للمتغيّر لم تكن مجعولة لا حال التغيّر ولا بعده قطعا ، والمعلوم تبدّل ذلك العدم بالوجود حال التغيّر. وحينئذ فالمعلوم جعل النجاسة لخصوص المتغيّر حال تغيّره وأمّا بعد زوال التغيّر فغير معلوم ، فاستصحاب طهارته من أوّل الأمر وعدم جعل النجاسة له يقتضي طهارته فيتعارض الاستصحابان ويتساقطان.
وبهذا التقرير ظهر أنّه لا مجال لإشكال صاحب الكفاية عليه (١) بأنّه تارة يرى الموضوع عرفيّا فيجري الاستصحاب واخرى يراه عقليّا فلا يجري ، لأنّه ليس ناظرا إلى الموضوع وأنّه عقلي وبارتفاع جزء من أجزائه يتحقّق الشكّ وحينئذ فالموضوع غير محرز ليجري الاستصحاب وإنّما نظره إلى المعارضة كما ذكرنا.
كما أنّ إشكال الشيخ الأنصاري قدسسره (٢) بأنّ استصحاب الحكم لفرض الزمان ظرفا وعدم استصحاب الحكم لفرضه قيدا تناقض أيضا غير وارد عليه ، لأنّه يستصحب الحكم الفعلي وعدم الجعل الّذي مؤدّاه في المقام الطهارة ، وليس نظره إلى استصحاب الحكم الفعلي وعدم استصحابه لتقع المناقضة.
__________________
(١) كفاية الاصول : ٤٦٦.
(٢) فرائد الاصول ٣ : ٢١٠.