عليه إنّما يجدي إذا قلنا بجريان الاستصحاب لإثبات لازمه العقلي وإنّما هو استصحاب لنفس الجعل ، فكما أنّ أثر الجعل هو التحريك نحو الواجب كذلك أثر عدم الجعل هو الترخيص في الترك مثلا حيث تكون الشبهة وجوبيّة ، أو في الفعل حيث تكون الشبهة تحريميّة ، على أنّ جواز الإفتاء من آثار الجعل ولا يتوقّف على وجود الموضوع الّذي به يتحقّق المجعول وكفى به أثرا لجريان الأصل. فتلخّص ممّا ذكرنا أنّ الاستصحاب في الشبهات الحكميّة لا يجري للمعارضة.
بقي شيء وهو أنّا إنّما نقول بعدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة من جهة المعارضة فحيث لا معارضة لا مانع من الجريان ، كما إذا كان الحكم هو الترخيص (مثلا إذا شكّ في حلّيّة العصير التمري وحرمته فاستصحاب الحلّيّة الّذي هو الحكم الفعلي يجري بلا معارض ، لأنّ استصحاب عدم جعل النجاسة له موافق لاستصحاب الطهارة الفعليّة.
ولا يقال : استصحاب عدم جعل الطهارة أيضا يجري فيعارضه ، لأنّ الطهارة لا تحتاج إلى جعل كالإباحة في الأشياء ، وإنّما المحتاج إلى الجعل هو الأحكام الإلزاميّة والوضعيّة الّتي تؤول إلى الإلزاميّة كجعل النجاسة مثلا.
ومثل الحلّيّة في المقام النجاسة الحدثيّة والخبثيّة) (١) ، فإنّه إذا شكّ المتطهّر في أنّ المذي هل هو رافع للطهارة وناقض لها أم لا؟ ففي مثله لا مانع من استصحاب الطهارة الكائنة قبل خروج المذي مثلا ، لأنّ استصحاب عدم جعله ناقضا حينئذ مؤيّد لبقاء الطهارة لا معارض لها. ولا معنى لقول النراقي في المقام أنّ سببيّة الوضوء غير معلومة أنّها إلى خروج المذي أو حتّى بعده (٢) ، فإنّا ليس لنا شكّ في سببيّة الوضوء للطهارة ، وإنّما مآل شكّنا إلى أنّ المذي مثلا هل هو ناقض أم لا؟
__________________
(١) ما بين القوسين من إضافات الدورة الثانية.
(٢) المناهج : ٢٣٧.