وقد أشكل الميرزا النائيني قدسسره (١) على استصحاب عدم الجعل وزعم أنّه لا يجري ، وحينئذ فاستصحاب النجاسة الفعليّة لا معارض له أصلا ، لأنّ المعارض المحتمل هو استصحاب عدم جعل النجاسة للماء بعد زوال التغيّر ، فإذا لم يجر هذا الاستصحاب فلا معارض للنجاسة الفعليّة.
ووجه منع الميرزا هو أنّ الجعل لا أثر له بنفسه وإنّما الأثر للمجعول وعدمه ، وترتيب آثار المجعول على أصالة عدم الجعل لا يمكن ؛ لأنّه لازم عقلي له ولا نقول بحجّية الأصل المثبت.
فتلخّص أنّ أصالة عدم الجعل لا تجري ، لأنّها مثبتة لآثار المجعول ولا أثر لها بنفسها.
أقول : قد ذكرنا في بحث الواجب المشروط أنّ الجعل هو عبارة عن الاعتبار النفساني ، وأنّ الحكم المجعول هو عبارة عن نفس المعتبر ، وأنّ الاعتبار قد يكون فعليّا ومعتبره أيضا فعليّا ، وقد يكون الاعتبار فعليّا ويكون المعتبر أمرا استقباليّا. وذكرنا أنّ هذا الاعتبار بنفسه هو المحرّك للمكلّف الغافل نحو الفعل. وحينئذ فالاعتبار أثره هو التحريك الّذي هو حكم من أحكام العقل ، وعدمه أثره عدم التحريك وتوقّفها على الموضوع لعدم تحقّق المعتبر قبله ، فلو أحرزنا عدم الجعل للنجاسة فأثره إنّما هو عدم التحريك نحو اجتنابه مثلا ، وكفى بهذا الأثر أثرا لأصالة عدم الجعل حينئذ.
ويرشد إلى ذلك إجراء الميرزا قدسسره (٢) استصحاب الوجوب الّذي هو نفس الجعل ، مثلا إذا شككنا في حكم وجوبي أنّه نسخ أم لا فلا يتوقّف قدسسره في إجراء استصحاب عدم النسخ ولا يقول بأنّ استصحاب الوجوب لا يجري ، لأنّ ترتيب آثار الواجب
__________________
(١) انظر أجود التقريرات ٤ : ١١٠ ـ ١١٣.
(٢) انظر أجود التقريرات ٤ : ١٠٩ و ١٢٧.