وأنّ الأصل هو الإباحة فيما لم يثبت تحريمه فلا حاجة إلى جعل الطهارة ، لأنّ الأشياء كلّها على الطهارة فالنجاسة هي المحتاجة إلى الجعل.
وأمّا ثانيا : فلو سلّمنا جريان أصالة عدم جعل الطهارة فليس بينهما معارضة أصلا ، غاية الأمر نعلم إجمالا بكذب أحدهما ، وسيأتي في أواخر الاستصحاب عدم المانع من جريان الاستصحابين إذا علم بكذب أحدهما إذا لم يكونا متناقضين أو يؤدّيا إلى مخالفة عمليّة ، خلافا للميرزا النائيني قدسسره (١) فمنع لمجرّد العلم بالمخالفة ، نعم ، استصحاب الطهارة والنجاسة معا غير ممكن للمناقضة والمعارضة لكنّ عدم جعلهما لا مانع منه.
وأمّا ثالثا : فلأنّ الشبهة حكميّة ، والمرجع في جريان الاستصحاب على تقديره هو المجتهد فلا يحتاج إلّا إلى فرض موضوع في الخارج ، فحينئذ تتعارض الاستصحابات الثلاثة في عرض واحد ولا يتعارض الاستصحابان في مقام الجعل ليرجع إلى الاستصحاب في مقام المجعول ويعمل به ، بل هو أحد الاستصحابات المتعارضة.
ودعوى : أنّهما إمّا متعارضان أو متساقطان أو أنّ الأصل السببي ـ وهو أصالة عدم جعل النجاسة ـ يحكم على الأصل المسبّبي وهو استصحاب النجاسة الفعليّة فعلى كلّ حال لا تتعارض الاستصحابات الثلاثة.
مدفوعة بأنّ الأصل السببي إنّما يحكم على الأصل المسبّبي حيث يكون المسبّبي من آثاره الشرعيّة لا من لوازمه العقليّة ، وأمّا إذا كان من اللوازم العقليّة له فلا مانع من جريانهما معا ، وفي المقام استصحاب عدم الجعل إنّما يقتضي بالملازمة العقليّة عدم جريان استصحاب النجاسة له للزوم التنافي.
__________________
(١) أجود التقريرات ٤ : ٢٦٩ و ٣ : ٨٩.