الأحكام الوضعيّة مجعولة حتّى يجري فيها الاستصحاب ، أم ليست بمجعولة فيتوقّف جريان الاستصحاب فيها على وجود الأثر الشرعي كبقيّة الموضوعات الخارجيّة ، وقبل الخوض في ذلك لا بدّ من التعرّض لبيان الحكم فنقول : يقع الكلام في امور :
الأوّل : أنّ الحكم هو عبارة عن اعتبار المولى شيئا ، فإن كان متعلّق اعتبار المولى فعلا من أفعال المكلّف فإمّا أن يعتبر في ذمّة المكلّف فعله فيكون فعله واجبا ، أو يعتبر حرمان المكلّف منه ويسمّى محرّما ، أو يعتبر المكلّف مطلق العنان بالنسبة إليه وهو المباح أو راجح الفعل أو الترك.
وإن لم يكن متعلّق اعتباره فعل المكلّف بل كان شيئا آخر فهو الحكم الوضعي ، فإنّ الغالب في الحكم الوضعي عدم تعلّق اعتبار المولى بفعل من أفعال المكلّف ، فالحكم التكليفي والوضعي يشتركان في كونهما عبارة عن الاعتبار المحض وإنّما يختلفان في متعلّق الاعتبار ، فإن كان فعلا من أفعال المكلّف فهو التكليفي وإلّا فهو الوضعي.
الثاني : كما أنّ الموجودات النفس الأمريّة تنقسم إلى موجود متأصّل وهو ما كان بإزائه شيء في الخارج كالجواهر والأعراض ، وإلى موجود انتزاعي وهو ما لا يكون له ما بإزاء في الخارج ، وإنّما يوجد في الخارج منشأ انتزاعه. كذلك الموجودات الاعتباريّة تارة يكون وجودها في عالم الاعتبار متحقّقا كالزوجيّة والحريّة والرقيّة والملكيّة فإنّها موجودة في عالم الاعتبار ، واخرى يكون وجودها انتزاعيّا في عالم الاعتبار بمعنى أنّه لا يوجد في عالم الاعتبار إلّا منشأ الانتزاع ، كسببيّة العقد للملكيّة فإنّ هذه السببيّة ليس لها وجود في عالم الاعتبار. نعم ، منشأ الانتزاع وهو ما ينتزع منه السببيّة له وجود في عالم الاعتبار.
الثالث : أنّ نفس الاعتبار من الموجودات التكوينيّة لا بدّ أن يكون له سبب ، وسببه يلزم أن يكون أمرا تكوينيّا وليس الاعتبار نفسه من الامور الاعتباريّة وإلّا لزم التسلسل ، بل هو أمر تكويني لا بدّ له من سبب تكويني.