إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الكلام هنا ليس في شرائط نفس الاعتبار الّذي هو أمر تكويني ، وإنّما الكلام في الشرطيّة والسببيّة بالنسبة إلى متعلّق الاعتبار وهو الحكم المعتبر. ولا يخفى أيضا أنّ المعتبر إن كان حكما تكليفيّا فقد اصطلح الفقهاء على تسمية ما يؤخذ في موضوع الحكم التكليفي بالشرط ، وعلى ما يؤخذ في موضوع الحكم الوضعي بالسبب ، فيعبّرون عن الزوال الّذي قد اخذ في موضوع وجوب الصلاة بالشرط ، وعن البيع بسبب الملكيّة ، وفي الحقيقة هما الموضوع المترتّب عليه وجوب الصلاة وتحقّق الملكيّة ، فهما موضوع هذين الاعتبارين.
ومن هنا علم أنّ المراد بالسبب المبحوث عنه في المقام ليس هو السبب الحقيقي وليس أيضا سبب نفس الجعل ، نعم سبب نفس الجعل والاعتبار أمر تكويني يستحيل جعله وهو عبارة عن التصوّر والتصديق بالفائدة والشوق وغير ذلك إلّا أنّ الكلام ليس فيه وإنّما هو في السبب بمعنى موضوع الاعتبار ، وحينئذ فالسببيّة كالشرطيّة مجعولة ، لأنّها منتزعة من نفس اعتبار شيء موضوعا لشيء كما انتزعت شرطيّة الزوال لوجوب الصلاة من قوله : إذا زالت الشمس ... كذلك ينتزع سببيّة العقد مثلا للملك ، فسببيّة العقد للملك من الامور المجعولة من قبل الشارع كشرطيّة الزوال بلا فرق بينهما.
وصاحب الكفاية قدسسره حيث تخيّل أنّ الكلام في السببيّة بالنسبة إلى سبب الاعتبار الّذي هو أمر تكويني ذهب إلى استحالة الجعل التشريعي بالنسبة إليه (١) ولكنّ الكلام في سببيّة الوجوب وهو المعتبر ، والمراد بسببيّته هو موضوعه الّذي يتوجّه الوجوب واعتبار كونه في ذمّة المكلّف بسببه وهو زوال الشمس مثلا ، وحينئذ فسبب الوجوب كشرطه مثل سبب الواجب وشرطه قابل للجعل قطعا ، فكما أنّ شرطيّة شيء ومانعيّته للواجب تنتزع من الأمر بمركّب ومن اعتبار عدم شيء فيه ، كذا بالنسبة إلى الوجوب نفسه بالنسبة إلى موضوعه وشرطه.
__________________
(١) كفاية الاصول : ٤٥٦.