وبتقريب آخر : أنّ اقتران الصلاة بالمانع يوجب بطلانها إلّا أنّ المانعيّة تنتزع من الأمر الناشئ من الاستصحاب المتأخّر عن الصلاة ، نعم لو كانت المانعيّة من الاعتبارات كالملكيّة والزوجيّة أمكن اعتبارها في الزمان المتقدّم كما في الفضولي ، ولكنّها منتزعة من الأمر الاستصحابي فلا تتقدّم عليه.
هذا ملخّص ما أفاده قدسسره ولا يخفى عليك ما فيه ، فإنّ الاستصحاب لا يحكم بحدوث المانع كي تنقلب الصلاة من الصحّة الى الفساد وإنّما يحكم ببقاء المانع ، فالصلاة حين صدورها لم يكن المانع محرزا فيها وبالاستصحاب أحرز المانع فيها حينها ، والاستصحاب لا يحقّق المانعيّة وإنّما يحقّق نفس المانع ، فظهر أنّ الاستصحاب يقتضي بطلان الصلاة) (١).
وأمّا الفرع الثاني فهو أيضا كالأوّل بناء على الأماريّة ، وأمّا بناء على أنّها أصل فأيضا لا تبنى على ما ذكر من عدم صحّة الصلاة للاستصحاب ، وذلك لأنّ الاستصحاب إنّما يجري مع فعليّة اليقين والشكّ أيضا ، وإنّما يستمرّ الحكم به حيث يستمرّا ، وهنا إنّما لا يجري الاستصحاب من جهة أنّه بغفلته لا شكّ فعلي له فلا يجري الاستصحاب حال الصلاة لفرض الغفلة الّتي يرتفع معها الشكّ الفعلي ، وإنّما يحكم بفساد الصلاة لعدم جريان قاعدة الفراغ فيه ، لأنّها ظاهرة في الشكّ الحادث بعد الفراغ ، وهذا الشكّ وإن كان حادثا بعد الفراغ دقة إلّا أنّه هو الشكّ الأوّلي الحاصل قبل الشروع فيها عرفا فلا تكون قاعدة الفراغ حينئذ جارية ، فلا بدّ من إعادة تلك الصلاة. هذا كلّه إن قلنا بجريان قاعدة الفراغ في فرض الغفلة ، وإلّا فالأمر أظهر حينئذ.
وبالجملة ، المعيار في هذين الفرعين ليس ما ذكره من ابتنائها على كفاية الشكّ التقديري ، بل الأوّل مبنيّ على أماريّة قاعدة الفراغ أو كونها أصلا ، والثاني مبنيّ على أنّ قاعدة الفراغ هل تشمل الشكّ المتقدّم على العمل أم لا؟ فافهم.
__________________
(١) ما بين القوسين من إضافات بعض الدورات اللاحقة.