وأمّا ثانيا : فإن اريد بها الإخبار عن الملازمة الواقعيّة فلا ريب أنّه كذب وجداني إذ لا ملازمة بين ثبوت شيء وبقائه واقعا ، مع أنّ دليل ثبوت الشيء يكون دالّا على بقائه لا الاستصحاب ، وإن اريد جعل الملازمة ظاهرا وتعبّدا فهو باطل أيضا ، لأنّه يقتضي عدم جريان البراءة في المشكوك المقرون بالعلم الإجمالي الّذي قد انحلّ بقيام بيّنة على تعيين النجس ، مثلا إذا علم نجاسة أحد الإناءين فقد تنجّز وجوب اجتنابهما معا ، فإذا قام دليل على تعيين النجس منهما كالبيّنة فما ذكره يقتضي عدم جريان أصالة الطهارة وأصالة البراءة من حرمة شربه ، لأنّ التنجيز ثبت فيدوم ، وهذا باطل في الشبهة الموضوعيّة إجماعا ، وفي الشبهة الحكميّة التحريميّة أيضا على مذاق الاصوليّين. نعم هو صحيح على مذاق المحدّثين من اجتناب المشكوك حرمته بدوا ، وحينئذ فلا بدّ لنا من ذكر وجه جريان الاستصحاب في الأحكام الثابتة بالاصول والأمارات.
فنقول : يقع الكلام في موردين : أحدهما في الاصول ، والثاني في الأمارات.
أمّا الكلام في الاصول : فالحقّ هو التفصيل بين الاصول المثبتة لحدوث الحكم واستمراره وبين الاصول المثبتة لحدوث الحكم فقط ، ففي الأوّل لا يجري الاستصحاب لعدم الشكّ بخلاف الثاني ، مثال الأوّل : أصالة الطهارة والحلّ والاستصحاب فإنّها تحدث الحكم بالطهارة وتحكم باستمراره إلى زمان العلم بعروض النجاسة والحرمة ، وفي الاستصحاب إلى زمن حدوث يقين آخر ، مثلا إذا شككنا في طهارة شيء ونجاسته كالصابون المجلوب من بلاد الكفر فبأصالة الطهارة يحكم بطهارته ، فلو شككنا بعد ذلك بعروض نجاسة خارجيّة عليه فنفس أصالة الطهارة تتكفّل أنّ حكمه الطهارة بمعنى أنّها تنجّز طهارته فيرتفع الشكّ في النجاسة ، فإذا ارتفع الشكّ في النجاسة فكيف يجري الاستصحاب.
ودعوى : أنّ الاستصحاب يحكم على أصالة الطهارة ، مسلّمة لكنّها حيث يجري الاستصحاب وتتمّ أركانه ، وهنا ليس تامّ الأركان لفقد الشكّ.