وهكذا إذا شككنا في طهارة شيء من جهة إصابة الدم له وقد كان طاهرا قبل ذلك فاستصحاب طهارته ينجّز لنا طهارته ، فإذا شككنا بعد ذلك في أنّه أصابه البول أم لا فنفس الاستصحاب الأوّلي أثبت طهارته إلى أن يعلم نجاسته ، والمفروض أنّه الآن لم يعلم نجاسته فهو بحكم الاستصحاب الأوّلي طاهر منجّز طهارته فيرتفع الشكّ حينئذ فلا يجري الاستصحاب.
(نعم ، لو قلنا : إنّ الأصل الجاري في المقام استصحاب عدم حدوث الاصابة لكونه حاكما على استصحاب الطهارة لكونه مسبّبا عنه ، فهو وإن جرى استصحاب عدم إصابة البول كاستصحاب عدم إصابة الدم إلّا أنّه ليس استصحابا لحكم ظاهري ، وإنّما هما شكّان في أمرين واقعيّين والأصل عدمهما) (١).
وأمّا إذا لم يكن الأصل مقتضيا للاستمرار فيجري الاستصحاب قطعا ، مثلا إذا كان عندنا شيء مشكوك الطهارة كالماء فبمقتضى أصالة الطهارة حكمنا بطهارته ، فإذا غسلنا به ثوبا نجسا فبمقتضى حكم الشارع بطهارته يطهر الثوب إلّا أنّا إذا شككنا بعد ذلك في إصابة البول لذلك الثوب وعدم إصابته يجري حينئذ الاستصحاب للحكم بطهارته وهذا واضح بحسب الظاهر.
فتلخّص أنّ الأصل إن كان مقتضيا للحدوث والاستمرار لا يجري الاستصحاب ، وإن كان مقتضيا للحدوث فقط يجري الاستصحاب حينئذ. هذا كلّه في الاصول مطلقا تنزيليّة كانت أم محضة.
وقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ المتيقّن السابق هو الحكم بالطهارة الظاهريّة أو الحلّية الظاهريّة المجعولة فلا مانع من استصحابه.
وأمّا الأمارات كخبر الواحد وغيره فنقول : إن التزمنا بأنّ المجعول فيها هو المنجّزيّة والمعذريّة فالإشكال بحاله ، وأمّا إذا قلنا بأنّ المنجزيّة والمعذريّة من آثار الجعل العقليّة وإنّها غير قابلة للجعل فلا بدّ من أن نلتزم بأنّ المجعول
__________________
(١) ما بين القوسين من إضافات بعض الدورات اللاحقة.