الثاني : أنّ أصالة عدم حدوث الجنابة معارض بأصالة عدم حدوث الحدث الأصغر. وهذا الجواب صحيح حيث يكون لكلّ من الفردين اللذين يتردّد الكلّي بينهما أثر شرعي كما في مثال تردّده بين كونه حدثا أكبر أو أصغر ، فإنّ الحدث الأكبر له حكم بخصوصه وهو حرمة قراءة العزائم ، والأصغر كذلك وهو وجوب الوضوء للصلاة ، ولكليهما أيضا أثر يشتركان فيه وهو حرمة المسّ لخطّ المصحف ، ولكنّا في غنية عن الاستصحاب حينئذ للعلم الإجمالي بالتكليف المردّد بين المتباينين ومقتضاه لزوم الأخير.
ولا يجدي الجواب حيث لا يكون الأثر أثرا مشتركا كما إذا نذر الإنسان أنّه متى وجد إنسانا في بيته يقرأ سورة قرآن مثلا فهنا إذا شككنا في أنّ الّذي كان في الدار زيد فهو خارج قطعا أو عمرو فهو باق قطعا أو محتمل البقاء ، فهنا لا معنى للتعارض لعدم الأثر الشرعي لكلّ من الفردين بخصوصه ، فأصالة عدم كون الداخل فيها زيدا لا أثر له إلّا أنّ أصالة عدم كون الداخل عمروا له أثر قطعا ، لأنّه بهذا الأصل ينتفي الأثر المترتّب على الكلّي ، لأنّه على الفرض إمّا زيد في الدار أو عمرو ، فإذا قطعنا بخروج زيد فبأصالة عدم كون الداخل فيها عمروا ينتفي الأثر المترتّب على الكلّي ، ولكنّ أصالة عدم كون الداخل زيدا لا يترتّب عليه أثر فعلا.
الثالث من الوجوه الّتي ذكرت في دفع هذا الإيراد أن يقال : إنّ أصالة عدم دخول عمرو مثلا وإن كان رافعا للشكّ إلّا أنّه لا يجدي ، بيان ذلك أن يقال : إنّ الشكّ في البقاء في المقام وإن استند إلى الشكّ في حدوث الفرد الطويل وعدمه إلّا أنّه ليس كلّ أصل سببي يمنع جريان الأصل المسبّبي ، بل إنّ الأصل السببي إن كان من أحكامه الشرعيّة وآثاره الشرعيّة رفع الشكّ في المسبّب يكون مانعا من جريان الأصل في المسبّب ، نظير الماء المسبوق بالطهارة المغسول به الثوب النجس ، فإنّ من أحكام إجراء استصحاب الطهارة في الماء أنّه لو غسل به النجس صار طاهرا ،