والجواب عن ذلك أوّلا : أنّ بناء على جريان قاعدة الفراغ في الأجزاء ، مثلا إذا شكّ في الركوع بعد الفراغ منه قبل السجود لزم الجمع بين اللحاظين ، إذ تجري قاعدة الفراغ في مجموع العمل وفي الأجزاء فيلزم الجمع بين لحاظين متنافيين في تعبّد واحد ، فهذا الإشكال مشترك الورود.
وثانيا : أنّ كون الأجزاء سابقة بحسب الرتبة لا يلزم منه عدم إمكان لحاظها مع لحاظ الكلّ المتأخّر عنها بحسب الرتبة ، والسرّ في ذلك هو أنّ الإطلاق عبارة عن رفض القيود فقوله : «كلّما شككت في شيء ممّا قد مضى» غير ناظر إلى كونه جزءا أو كلّا لأنّه مطلق غير ناظر إلى شيء من خصوصيّات ما مضى أصلا.
وثالثا : أنّ قاعدة الفراغ إنّما تجري في الشكّ في الصحّة المسبّب عن الشكّ في وجود جزء أو شرط فاللحاظ فيه للأجزاء استقلالي كقاعدة الفراغ ، فأين الجمع بين اللحاظين الاستقلالي والتبعي؟ على أنّ هذا الإيراد مبنيّ على كونهما قاعدتين ، وأمّا بناء على أنّها قاعدة واحدة وأنّ الفراغ كما يأتي بالنسبة إلى تمام العمل يأتي بالنسبة إلى كلّ جزء فرغ منه فلا يأتي هذا الإيراد أصلا ، فافهم.
الشبهة الثالثة : أنّ المضيّ بالنسبة إلى قاعدة الفراغ محمول على حقيقته وبالنسبة إلى قاعدة التجاوز باعتبار الشكّ في فعل الجزء ، المضيّ إنّما يكون لمحلّه لا لنفسه للشكّ في وجوده ، فإسناد المضيّ إليه بنحو المجاز باعتبار الحالّ والمحلّ فكيف يجمع بين المعنى الحقيقي والمجازي بإطلاق واحد؟ فلا بدّ من كونهما قاعدتين دلّ بعض الأخبار على الفراغ وبعضها على التجاوز.
والجواب : أنّ المضيّ بالنسبة إلى الفراغ والتجاوز مجازي حقيقة ، لأنّ الفراغ إنّما هو عن الصلاة ولا شكّ في تحقّق صدق الصلاة وإنّما المطلوب الفراغ عن الصلاة الصحيحة ، ووصف الصحّة كما تقدّم وصف انتزاعي من وجدان الأجزاء والشرائط ، وحينئذ فهي بهذا الوصف ممّا يشكّ في مضيّها فلا بدّ من كون المراد المضيّ بالنسبة إلى المحلّ أو مضيّ معظم الأجزاء تغليبا ، وعليه فالمضيّ بالنسبة إلى كلتا القاعدتين يلزم أن يكون مجازيّا ، فلا يلزم الجمع بين المعنى الحقيقي والمجازي بإطلاق واحد.