الشبهة الرابعة : أنّ المجعول أصالة هو قاعدة الفراغ من العمل بأسره ، ثمّ إنّ الشارع ألحق الخروج ـ الفراغ ـ من الجزء بالفراغ من العمل كلّية فيكون حاكما على مفهوم قاعدة الفراغ من لزوم الاعتناء بالشكّ قبل الفراغ من العمل كلّية ، وحينئذ فلو جعلنا قاعدتي الفراغ والتجاوز قاعدتين قد دلّ على كلّ منهما دليل غير الدليل الدالّ على الآخر لا يلزم محذور ، لحكومة أدلّة قاعدة التجاوز وتوسعتها للفراغ بنحو يشمل الفراغ من الجزء أيضا. وهذا بخلاف ما إذا جعلناها قاعدة واحدة ، فإنّه يلزم التنافي في كلّ واحد من أدلّتها.
بيان ذلك : أنّك لو شككت في الركوع مثلا بعد التجاوز عنه فبموجب أنّه لم يفرغ من العمل يقتضي أن يعتني بشكّه ، وبموجب أنّه مضى محلّه يقتضي أن لا يعتني بشكّه ، وحيث إنّ الدليل واحد فلا يحكم على نفسه فيقع التنافي. وهذا الوجه هو الّذي اعتمد عليه الميرزا النائيني قدسسره في عدّهما قاعدتين (١).
ولا يخفى أنّه لو كان عندنا شكّ واحد لكان كلامه متينا إلّا أنّه في الحقيقة لنا شكّان : أحدهما في إتيان الركوع وعدمه ، وثانيهما في صحّة الأجزاء الّتي نأتي بها الآن ولم نجزها ، وحيث إنّ أحدهما ـ وهو الثاني ـ مسبّب عن الأوّل ـ لأنّ الشكّ في صحّة هذه الأجزاء مسبّب عن ترك الركوع وعدمه إذ ليس مطلق السجود مطلوبا وإنّما المطلوب السجود بعد الركوع ـ فبجريان الحكم الشرعي بإمضاء العمل يرتفع الشكّ في الثاني فيصحّ العمل ولا تنافي أصلا.
وقد ظهر بما ذكرنا أنّ قاعدة الفراغ والتجاوز قاعدة واحدة بموجب الروايات العامّة وأنّه لا وجه لعدها قاعدتين أصلا ، ودعوى : حكومة أدلّة التجاوز على مفهوم قاعدة الفراغ ، لا مقتضي لها بل هي بما أنّها مختصّة بصورة التجاوز أخصّ ، فتكون مخصّصة للمفهوم ، لأنّ الخاصّ يقدّم على العموم
__________________
(١) انظر أجود التقريرات ٤ : ٢١٣.