بأحدهما بصورة الأخذ به أو عدم الأخذ بالآخر فإنّه لا تعبّد بالمتناقضين ، وهو نظير ما إذا دار الأمر بين رفع اليد عن أصل الدليل ودفعه عن إطلاقه ولا ريب في تقدّم الثاني ، ولكنّه غير تامّ.
أمّا إذا قيّد بعدم الأخذ بالثاني فنتيجته حجيّتهما معا عند عدم الأخذ بهما لتحقّق شرط الحجّية في كلّ منهما ، أمّا إذا قيّد بالأخذ به فلا ينتج التخيير لأنّ التخيير هو لزوم الأخذ بأحدهما ، وهنا لا ملزم للأخذ به حتّى يصير حجّة فلا يلزمه الأخذ به الّذي هو نتيجة التخيير المزعوم ، مع أنّ المقام ممّا اخذ فيه بالدليل القائم على الحجّية ونفي إطلاقه لصورة التعارض ، فافهم وتأمّل.
وهل إنّهما بحكم العدم فيجوز الرجوع إلى الأصل وإن خالفهما معا أم إنّهما ينفيان الثالث؟ قولان. وليعلم أنّ محلّ الكلام حيث يحتمل كذبهما معا ، أمّا حيث يعلم صدق أحدهما وكذب الآخر لا على التعيين فليس محلّا للكلام في نفي القول الثالث ، فنقول : الظاهر هو الأوّل وإنّهما بعد التساقط بحكم العدم ويرجع إلى ما يقتضيه الأصل وإن خالفهما.
وذهب الميرزا النائيني (١) والآخوند (٢) والشيخ الأنصاري (٣) إلى عدم جواز الرجوع إلى الأصل حيث يخالفهما ، واستدلّوا بدليلين :
الأوّل : أنّ أحدهما الغير المعيّن لم يعلم كذبه فيشمله دليل الحجّية فيكون قول المعصوم تعبّدا فلا يجوز طرحه والرجوع إلى ثالث.
الثاني : أنّ لهذين الدليلين دلالة مطابقيّة وهي الوجوب والحرمة ولهما دلالة التزاميّة وهي عدم الإباحة والكراهة والاستحباب ، والتعارض وقع في المطابقيّة
__________________
(١) انظر فوائد الاصول ٤ : ٧٥٥.
(٢) كفاية الاصول : ٤٩٩.
(٣) فرائد الاصول ٤ : ٣١.