وما ذكره السيّد الصدر من التخيير (١) ليس خرقا للإجماع ، لأنّه قدسسره ذهب إلى التخيير العملي بعد التوقّف في الفتوى ، فليس قائلا بالتخيير بين الروايات في مقام الفتوى كي يكون موافقا لصاحب الكفاية قدسسره فانحصر القائل بالتخيير الابتدائي به قدسسره.
وكيف كان ، فالأولى ما ذكرناه من أنّ خبر التوقّف إنّما امر فيه بالتوقّف ، لأنّه مورد خصومة والتخيير لا يقطعها قطعا ، ولو كان هناك خبر يقضي بالتوقّف يطرح في قبال الأخبار الآمرة بالترجيح والتخيير.
وأمّا الأخبار الّتي تقضي بأخذ الحائطة في الدين ، والظاهر أنّه أراد رواية غوالي اللآلي الّتي رواها ابن أبي جمهور الأحسائي قال فيها ـ بعد ذكر جملة من المرجّحات ـ : «خذ بما فيه الحائطة لدينك واترك الآخر» (٢). وهذه الرواية مع خلوّ بقيّة الأخبار عن ذلك مطروحة للطعن في غوالي اللآلي ومؤلّفه كما هو مشهور ، مضافا إلى أنّا لو وجدناها في كتب العلّامة قدسسره لا نعمل بها ، لأنّها مرسلة عن زرارة ولم يذكر رجال سندها ، فكيف ولم توجد في كلامه قدسسره حسب التفحّص.
فلم يبق إلّا طائفتان من الأخبار إحداهما المخيّرة مطلقا ، والثانية المرجّحة ، والروايات المرجّحة بعضها مشتملة على مرجّح واحد وبعضها على اثنين وبعضها على أكثر ، وأجمع الروايات المرجّحة المقبولة لعمر بن حنظلة (٣) ، ومرفوعة زرارة (٤) ، مع أنّ بينهما اختلافا في تقديم الشهرة على صفات الراوي وتأخيره عنها ،
__________________
(١) شرح الوافية : ٥٠٠.
(٢) غوالي اللآلي ٤ : ١٣٣ ، الحديث ٢٢٩.
(٣) الوسائل ١٨ : ٧٥ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث الأوّل.
(٤) غوالي اللآلي ٤ : ١٣٣ ، الحديث ٢٢٩ ، رواه في المستدرك : ج ٣ ، كتاب القضاء ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢ نقلا عنه والحدائق ١ : ١٣ عنه أيضا.