ففي المقبولة تأخّر ترجيح الشهرة ، وفي المرفوعة تقدّم على ذكر صفات الراوي والترجيح للاولى دون الثانية ، لأنّ الأصحاب هجروها لما تقدّم. ولا يتوهّم أنّ ذهاب المشهور إلى تقديم الشهرة لا جابر لها لتصريحهم بعدم اعتبارها.
فأجمع الروايات من حيث الترجيح هي المقبولة ، لكنّ الكلام في أنّ الترجيح لازم أم لا ، بل الحكم هو التخيير ابتداء والترجيح أفضل كما نسبناه إلى صاحب الكفاية (١) استنادا إلى إطلاق روايات التخيير ، وقد استشهد لذلك بامور :
الأوّل : الاختلاف الكثير في أخبار الترجيح وقد ذكرنا أنّ غير المقبولة مطروح لمقبوليّتها وعدم مقبوليّته ، مضافا إلى قيام إجماع الإماميّة إلى عدم التخيير ابتداء حتّى الكليني ، فإنّ ظاهر عبارته التخيير بعد فقد ثلاث مرجّحات ذكرها قدسسره (٢).
الثاني : أنّ جملة من المرجّحات مرجّحات بين الحجّة واللاحجّة ، وهي ما خالف كتاب الله وما وافق العامّة ، فإنّ الأوّل ليس بحجّة مع قطع النظر عن المعارضة ، لما ورد من أنّ «ما خالف قول ربّنا لم نقله ، وزخرف وباطل» (٣) وغيرها (٤).
وأمّا الثاني فكذلك ، ضرورة أنّه مع صدور المخالف يقطع أو يطمئنّ بصدور المخالف ، فيكون الموافق إمّا غير صادر أو صادر للتقيّة.
ولا يخفى ما فيه أيضا ، فإنّ صريح الروايات بعد أن رجّح فيها الخبرين بجملة من المرجّحات الظاهر في وجدانهما لشرائط الحجّية رجّح بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة. وما ورد من أنّه «زخرف باطل» إنّما هو غير هذه المخالفة ، وهي في مقام
__________________
(١) انظر الكفاية : ٥٠٦.
(٢) انظر الكافي ١ : ٨ ـ ٩.
(٣) الوسائل ١٨ : ٧٨ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٢ و ١٤ و ١٥ ، والمحاسن : ١ : ٣٤٧ ، الحديث ١٢٧ و ١٢٨ و ١٢٩.
(٤) انظر المصادر المتقدمة.