ولا أدري أنّه كيف عدّها الشيخ من أخبار ترجيح المتعارضين وكيف ذكرها ذلك البعض من وجوه ترجيح الأخبار المتعارضة مع عدم ذكر تعارض الروايتين فيها أصلا؟ وإنّما مفادها أنّه لو حدّث الإمام بحديث أو أفتى بفتيا ثمّ بعد سنة حدّثه بحديث يناقض الحديث الأوّل أو أفتى بفتيا تناقض الفتيا السابقة ، فأجاب الراوي أنّه كان يأخذ بالمتأخّر منهما ، فاستصوب الإمام عليهالسلام جوابه في واحدة (١) وترحّم عليه في الاخرى (٢) فالروايات صريحة في كونهما مقطوعي الصدور ، وفي بعضها تصريح بأنّ ذلك إنّما هو للتقيّة (٣) فأيّ ربط لها بالأخبار المتعارضة؟
نعم في حديث المعلّى بن خنيس قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : إذا جاء حديث عن أوّلكم وحديث عن آخركم بأيّهما نأخذ؟ قال عليهالسلام : خذوا به حتّى يبلغكم عن الحيّ فإن بلغكم عن الحيّ فخذوا بقوله قال : ثمّ قال : إنّا والله لا ندخلكم إلّا فيما يسعكم» (٤). ولكنّها مع عدم صراحتها بحسب الدلالة على الأخذ بالحادث بل عدم ظهورها في ذلك ، محتملة احتمالا قريبا جدّا في كون الأوّل للتقيّة لوجود الذيل الدالّ على ذلك فيها. (ووجه الأخذ بالأخير أنّه لو كان المتقدّم قد صدر تقيّة فالإمام أعلم بمورد التقيّة ، وإن صدر من الحيّ خلافه فيبيّن ارتفاع زمن التقيّة حينئذ بإخبار الحيّ) (٥).
مضافا إلى أنّها ليست صحيحة ومعارضة لأخبار الترجيح ، إذ هي بإطلاقها نافية للترجيح بالشهرة وغيرها ، كما أنّ روايات الترجيح بإطلاقها آمرة بالرجوع إلى الشهرة وموافقة الكتاب ومخالفة العامّة ولو كان القديم واجدا لها دون الحادث ، ولا ريب في استفاضة أخبار الترجيح ، فهي ممّا لا ريب فيه بالإضافة إلى هذه الرواية ،
__________________
(١) الوسائل ١٨ ، ٧٩ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٧ مع اختلاف يسير.
(٢) المصدر السابق : الحديث ٧.
(٣ و ٤) الوسائل ١٨ : ٧٨ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٨.
(٣ و ٤) الوسائل ١٨ : ٧٨ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٨.
(٥) ما بين القوسين من إضافات الدورة الثانية.