ثمّ إنّ الخبر الواحد يمكن فيه التبعيض في الحجّية ، لأنّ حجّيته باعتبار كشفه عن المراد الجدّي ويكون بعضه حجّة لعدم الابتلاء بالمعارضة ، وبعضه ليس بحجّة للابتلاء بها ، وهذا كثير الوقوع ، لأنّ الخبر يتضمّن خبرين حينئذ ، مثلا لو قال المولى : أكرم العلماء ، ثمّ ورد : لا تكرم الفسّاق ، فهو بمثابة أن يقول : أكرم العلماء عدولا وفسّاقا ، كما أنّ الثاني بمثابة أن يقول : لا تكرم الفسّاق علماء كانوا أم جهّالا ، ففي خصوص العالم الفاسق يقع التعارض ، وحينئذ ففي غيره يكون العموم حجّة وفيه لا يكون حجّة ، لأنّه بمنزلة إخبارين فيكون أحدهما حجّة دون الآخر.
وهذا نظير البيّنة القائمة على كون الدار لزيد فأقرّ زيد بأنّ نصفها لعمرو مثلا والتبعيض في الحجّية كثير. وقد ورد في الفقه عمل العلماء بصدر الرواية وطرح عجزها للابتلاء بمعارض ، والمقام يقاربه والملاك واحد في الجميع.
إذا عرفت هذه المقدّمة التمهيديّة فاعلم أنّ المتعارضين بنحو العموم من وجه تارة يكون عمومها لفظيّا مستفادا من عموم مستند إلى الوضع مثل قولنا : أكرم كلّ عالم ولا تكرم أيّ فاسق.
واخرى يكون عمومهما مستندا إلى الإطلاق ومقدّمات الحكمة مثل قولنا : أكرم العالم ولا تكرم فاسقا ، فإنّ النكرة في سياق النفي تفيد العموم.
وثالثة يكون أحدهما وضعيّا والآخر بمقدّمات الحكمة. قد عرفت فيما تقدّم أنّ القسم الأخير خارج عن محلّ الكلام ، لأنّ العموم اللفظي كما ذكرنا يمنع جريان مقدّمات الحكمة في الثاني فإن من جملتها عدم البيان ، والعامّ يصلح أن يكون بيانا.
وقد تقدّم الكلام فيه والنزاع بين الآخوند والشيخ ، وذكرنا أنّ الحقّ مع الشيخ قدسسره فالكلام يقع في القسمين الأوّلين فنقول وعلى الله التكلان :
أمّا القسم الأوّل منهما : فالظاهر جريان المرجّحات المذكورة فيه فلو قال : أكرم كلّ عالم ، ثمّ قال : لا تكرم كلّ فاسق ، ففي العالم الفاسق يقع التعارض ، وقد ذكرنا أنّ التبعيض في الحجّية ممكن وواقع ، وعليه بناء العقلاء في جميع شئونهم بحيث