لا يرتابون فيه ، كما ذكرنا أنّ ذلك العموم يكون بمنزلة أمرين ، أحدهما : بإكرام العلماء العدول ، والآخر : بإكرام الفسّاق ، كما أنّ النهي كذلك : نهي عن إكرام الفاسق الجاهل ، ونهي عن إكرام العالم الفاسق ، فيكون أحد الأمرين وأحد النهيين حجّة لعدم المعارض ، ويكون الثاني غير حجّة وهو مورد المعارضة فيرجع فيه إلى مرجّحات تعارض الروايتين ، فيرجع إلى المشهور من العمومين فيؤخذ بالعموم المشهور ويطرح الثاني في مورد المعارضة ، لأنّ الشهرة تكون مرجّحة لعدم اشتباه الراوي فيه وكون الاشتباه في الثاني.
ولو فرض شهرتهما فيرجع إلى موافقة الكتاب لأحد العامّين ، ولو فرض الموافقة أيضا أو عدم التعرّض في الكتاب لحكمهما يرجع إلى مخالفة العامّة فتعتبر مرجّحا لمورد التعارض وذلك لصدق «يأتي عنكم الخبران» إذ المراد بهما الإخباران ، إذ ليس العبرة بألفاظ الخبر ، والإخباران متحقّقان في المقام وإن كان العموم واحدا ، إذ الإخبار يتعدّد بتعدّد المخبر به ، فافهم.
هذا كلّه حيث يكون العموم مستندا إلى عموم لفظي مثل «كلّ» وأشباهها. وأمّا حيث يكون العمومان مستندين إلى الإطلاق ومقدّمات الحكمة ، كما إذا ورد : يجب إكرام العالم ، وورد أيضا : يحرم إكرام الفاسق ، فهنا المخبر ـ أعني الراوي ـ إنّما أخبر عن ثبوت الحكم للماهيّة بنحو الإهمال ، فإنّه أخبر عن وجوب إكرام ماهيّة العالم وعن تحريم إكرام ماهيّة الفاسق ونحن بدليل «صدّق العادل» نصدّقه فيهما.
أمّا عموم الحكم فليس الراوي مخبرا به كي يشمله وجوب تصديق العادل ، بل إنّ استفادة عموم الحكم لنا وله على حدّ سواء ، بحيث لو أنّه يرى أن لا عموم لوجود القدر المتيقّن المانع عن التمسّك بالإطلاق في رأيه فهنا لا يجب متابعته وتصديقه ، لأنّ هذا اجتهاد منه وليس نقلا عن المعصوم ليجب تصديقه فيه ، فيجوز لنا الحكم بالعموم بناء على عدم إخلال وجود القدر المتيقّن إذا لم يؤدّ إلى الانصراف كما تقدّم الكلام فيه مفصّلا.