وبالجملة ، فعموم كلا الحكمين في المقام موقوف على مقدّمات الحكمة فيهما ولا يمكن جريانها فيهما ، للعلم الإجمالي بعدم إرادة كلا الإطلاقين قطعا ، ولأنّ منها عدم البيان ، وكلّ منهما يصلح أن يكون بيانا للآخر ولا ترجيح فيتساقطان ، ويرجع إلى العموم الفوقاني لو كان ، أو يرجع إلى الاصول العمليّة.
وممّا ذكرنا في حكم الخبرين المتعارضين يظهر حكم تعارض الخبر مع الكتاب وأنّه مع كون الخبر خاصّا والكتاب عامّا يخصّصه لكون العرف يراه قرينة على عدم كون الإرادة الجدّية في الكتاب مطابقة للإرادة الاستعماليّة ، ومع كون الخبر مباينا للكتاب يطرح الخبر لقولهم : «ما خالف قول ربنا لم نقله» (١) و «زخرف» في اخرى (٢) و «باطل» في ثالثة (٣) و «اضربه على الجدار» في رابعة (٤) وغيرها (٥) إذ هي في المتباينة قطعا.
وإذا كان الخبر معارضا للكتاب بنحو العموم من وجه ، فتارة يكون أحدهما بالإطلاق والآخر بالعموم اللفظي ويتقدّم العموم اللفظي حينئذ ؛ لكونه بيانا مانعا عن إطلاق المعارض إذ من جملة مقدّماته عدم البيان.
وإن كانا معا بالعموم اللفظي فبالنسبة إلى مورد الاجتماع يرجع إلى المرجّحات المذكورة ، غير أنّه في المقام يكون عموم الكتاب مرجّحا ، لأنّه هو الموافق للكتاب ، كما لو كان هناك خبران أحدهما موافق لعموم الكتاب والآخر مخالف ، وإن كان العموم بينهما بنحو الإطلاق ومقدّمات الحكمة فيتساقطان ، وليس هذا إسقاطا
__________________
(١) الوسائل ١٨ : ٧٩ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٥.
(٢) المصدر السابق : الحديث ١٢ و ١٤.
(٣) المحاسن ١ : ٣٤٧ ، باب الاحتياط في الدين ، الحديث ١٢٨.
(٤) التبيان ١ : ٥.
(٥) انظر الوسائل ١٨ : ٧٩ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٦ ، والمحاسن ١ : ٣٤٨ ، الحديث ١٣١ و ١٣٢ وغيرها.