وأمّا في مرتبة المجعول فلا يعقل الخطأ بل لا بدّ من كون كلّ من المتخالفين مصيبا ، مثلا إذا اختلف المجتهدان في حرمة وطي الحائض بعد انقطاع دمها وقبل الغسل فأجرى أحدهما استصحاب الحرمة ، لزعمه جريان الاستصحاب في الشبهة الحكميّة ، فهو بحكم الشارع عالم بها لكونه على يقين منها سابقا وهو شاكّ فيها فعلا ، وأمّا الثاني من المجتهدين فلا يرى حجّية الاستصحاب في الشبهة الحكميّة فيرجع إلى البراءة ، لأنّه لا يعلم الحكم فيرفع التحريم برفع ما لا يعلمون ، فكلّ منهما مصيب في مرحلة الظاهر إلّا أنّ الموضوع عند أحدهما غير الموضوع عند الآخر) (١).
وهنا كلام في أنّ المجتهد إذا أدّى نظره إلى حكم ثمّ بعد مدّة تغيّر نظره فبالنسبة إلى ما يلحق من الأحكام ليس له ترتيب آثار الاجتهاد السابق ، مثلا إذا أدّى نظره إلى جواز التذكية بغير الحديد ثمّ أدّى نظره إلى عدمه فهل يجوز له أن يأكل منها بعد تبدّل نظره؟ كلّا ثمّ كلّا ، فإنّ عمله الآن يلزم أن يستند إلى حجّة شرعيّة ، وليس اجتهاده السابق مع تغيّره الآن حجّة فعليّة ، وأمّا بالنسبة إلى أعماله السابقة ممّا لا أثر فعلا له كما إذا أكل من هذا اللحم سابقا فلا ينبغي الكلام فيه.
وأمّا ما كان له أثر فعلا كما إذا أدّى اجتهاده إلى عدم وجوب السورة في الصلاة فتركها ثمّ أدّى نظره إلى وجوبها والوقت باق أو خارج فهل يجب عليه الإعادة أو القضاء أم لا؟ أمّا المشهور فهو عدم الوجوب بدعوى قيام الإجماع على عدم الإعادة أو القضاء ، والظاهر أنّ هذا الإجماع المدّعى لا أثر له أصلا فما كان من الصلاة كما في المثال لا يعاد لقوله عليهالسلام : «لا تعاد إلّا من خمسة» (٢). بناء على شموله للجهل بالحكم وعدم اختصاصه بخصوص الناسي كما هو الحقّ ، وأمّا غير الصلاة أو الصلاة إذا كان الخلل في أحد الخمسة فمقتضى القاعدة وجوب الإعادة أو القضاء إلّا أنّ يدلّ دليل على العدم.
__________________
(١) ما بين القوسين من إضافات بعض الدورات اللاحقة.
(٢) الوسائل ١ : ٢٦٠ ، الباب ٣ من أبواب الوضوء الحديث ٨.