والظاهر صحّة الأخير ، لأنّ التقليد لغة هو وضع القلادة في العنق ومنه التقليد في الهدي ، وقد استعير لجعل عمل المكلّف على عنق الغير الّذي هو المجتهد ، فيعمل العاميّ العمل ، فإن كان صحيحا فهو وإلّا فتبعته على المجتهد الّذي قلّده في ذلك ، ويشعر به أيضا ما ورد من أنّ من أفتى بغير علم كان عليه وزر من عمل بفتياه (١). ويشعر به أيضا ما ورد من قصّة ربيعة الرأي حين سأله أحد عن مسألة فأجاب فقال : على رقبتك؟ فسكت ثمّ كرّر السؤال فأجاب ، فقال له : على رقبتك؟ فسكت ثمّ كرّر السؤال ، فأجاب فقال : على رقبتك؟ فسكت فقال له الإمام عليهالسلام : على رقبته إن قال : لا أو قال : نعم (٢). وغيرها (٣).
وبالجملة ، فالمعنى المناسب لمعناه اللغوي أن يقال : إنّ التقليد هو الاستناد في العمل إلى رأي الغير تعبّدا ، والالتزام وأخذ الرسالة من مقدّماته. وما في الكفاية : من أنّه لو كان هو العمل للزم كون العمل غير مسبوق بالتقليد (٤) غريب جدّا إذ أيّ آية أو رواية دلّت على لزوم مسبوقيّة العمل بالتقليد ، نعم يلزم أن يكون العمل مستندا إلى حجّة وهو يتمّ بأن يكون به التقليد ، فافهم.
ثمّ إنّ الكلام يقع في جواز التقليد فنقول : إنّ جواز التقليد أمر ارتكازي إذ رجوع الجاهل إلى العالم أمر ارتكازي لجميع البشر ، فإنّ الإنسان إذا مرض يفزع إلى الطبيب وإن لم يكن متديّنا بدين أصلا وما هو إلّا لذلك الارتكاز ، مضافا إلى الروايات المتواترة ، مثل قوله : «فللعوامّ أن يقلّدوه» (٥). ومثل قول :
__________________
(١) الوسائل ١٨ : ٩ ، الباب ٤ من أبواب صفات القاضي ، الحديث الأوّل.
(٢) الوسائل ١٨ : ١٦١ ، الباب ٧ من أبواب آداب القاضي ، الحديث ٢ (مع تفاوت في العبارة).
(٣) راجع الهامش الأوّل ، الحديث ٣٣ و ٣٢ و ٣١.
(٤) كفاية الاصول : ٥٣٩.
(٥) الوسائل ١٨ : ٩٤ ـ ٩٥ ، الباب ١٠ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٠.