المفضول بطهارتها وفي مثل ذلك لا ريب في لزوم تقليد الأفضل ، إذ كلّما فرض دليلا لجواز التقليد لا يشمل كلا هذين الشخصين بالنسبة إلى هذه الفتيا ، إذ لا يعقل شمول دليل التعبّد لهما ، لاستحالة تعبّد الشارع بالمتناقضين. وحينئذ ففي مثل ذلك لا دليل إلّا السيرة العقلائيّة وهي بنفسها قاضية بالرجوع إلى الأعلم كما هو المشاهد كثيرا عندنا في مراجعات العقلاء من طرح قول المفضول مع معارضته لقول الأفضل ، فافهم.
واخرى لا يعلم أنّهما مختلفان في الفتوى بنحو تكون فتوى المفضول مخالفة للاحتياط والأقوى فيه جواز تقليد المفضول ، والدليل على ذلك السيرة العمليّة المستمرّة من زماننا إلى زمان الأئمّة من رجوع العقلاء في كلّ صناعة إلى اناس ليسوا أعلم الناس بذلك الفن ، مثلا من أراد البناء لا يترك جميع البنّائين ويذهب إلى خصوص زيد الّذي هو أمهرهم ، وكذلك من أراد الصياغة والحياكة.
وبالجملة ، فليس ديدن الناس على الرجوع إلى الأمهر ويتركون بقيّة الماهرين بل يرجعون إلى كلّ ماهر ، كان هناك أمهر منه أم لم يكن ، نعم في صورة مخالفة قول الماهر للأمهر يطرح قول الماهر ويرجع إلى الأمهر قطعا ، ويؤيده إطلاق الروايات والآيات ، وإنكار إطلاقها إنكار في الحقيقة للبديهيّات.
(ودعوى : أنّ المقام من موارد الشبهة المصداقيّة لصورة الاختلاف في الرأي الّذي قد فرض قصور دليل التقليد عن شموله ، يدفعها أصالة عدم الاختلاف في الرأي فيحقّق هذا الأصل الموضوع بنفي غيره) (١).
وقد استدلّوا على لزوم تقليد الأعلم في خصوص الأخير أو فيه وفي سابقه بوجوه :
أحدها : قوله في مقبولة ابن حنظلة : «الحكم ما حكم به أفقههما» الخ.
__________________
(١) ما بين القوسين من إضافات الدورة الثانية.