بمعنى أنّا لو كنّا موجودين حال حياته لكانت حجّة في حقّنا إلّا أنّ الحجّية الثانية مردّدة بين الأقلّ والأكثر بحسب الجعل ، والقدر المتيقّن من جعلها هو حال الحياة ، فبعد الموت الاستصحاب يقتضي عدم جعلها مع أنّ فتاوى الأموات متخالفة ومتعارضة ، ودليل الحجّية لا يشمل المتعارضين أصلا) (١).
الثاني : أنّ الاستصحاب لا يجري مع وجود الدليل اللفظي وهو موجود في المقام إمّا على الجواز وإمّا على عدم الجواز :
بيان ذلك أنّ مثل قوله عليهالسلام : «أمّا من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه فللعوامّ أن يقلّدوه» (٢). ومثل قوله تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(٣) بناء على دلالتها على التقليد كما قيل ، ومثل قوله تعالى : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ)(٤) الآية ، وغيرها من أدلّة التقليد تدلّ بإطلاقها على حجّية قول المفتي وإن مات ، فإنّ قوله (فَسْئَلُوا) الخ لم يقيّد حجّية الرجوع إليه والعمل برأيه بكونه حيّا ، بل هي مطلقة لما إذا عمل بعد سؤاله ثمّ مات ، فيجوز العمل بقوله حينئذ أيضا بإطلاقات هذه الأدلّة ، وإنكار إطلاقها مجازفة.
مضافا إلى قيام السيرة العقلائيّة على ذلك أيضا ، فإنّ المريض إذا وصف له الطبيب الدواء النافع ثمّ إنّ الطبيب بعد دقيقة واحدة مات فهل يشكّ العقلاء في العمل بقوله؟ وكذا المقوّم والمهندس وغيرهم من أرباب الاجتهادات مع عدم الرادع عن هذه السيرة ، بل قد عرفت أنّ إطلاقات الأدلّة المذكورة شاملة لها.
__________________
(١) ما بين القوسين من إضافات الدورة الثانية.
(٢) الوسائل ١٨ : ٩٤ ـ ٩٥ ، الباب ١٠ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٠.
(٣) الأنبياء : ٧.
(٤) التوبة : ١٢٢.