وما يقال : من أنّ الشكّ منفيّ فإنّ الموضوع هو الإنسان برأيه ، وبالموت ينعدم عرفا وإن بقي واقعا بنحو أكمل ، لبقاء النفس الناطقة ، ومع انعدام الموضوع عرفا لا مجال لجريان الاستصحاب ، ولذا لا يجوز تقليد من عدل عن رأيه السابق في رأيه السابق ، ولا يجوز تقليد من اعتراه داء النسيان أو الجنون أو الهرم أو ذهبت ملكة اجتهاده.
فاسد فإنّ الموضوع هو الإنسان برأيه ـ كما ذكر ـ وهو موجود عرفا وحقيقة ، إذ المراد وجوده زمان حياته فإنّ الكلام في أنّ الحجّية الثابتة له حال الحياة مشروطة بالحياة أم غير مشروطة بها فيكون الموضوع : من كان ذا رأي حال حياته على الثاني وعدم جواز تقليده في الرأي الّذي عدل عنه ، بل عدم جواز عمله نفسه به إنّما هو لأنّ حجّية رأيه إنّما هي مع عدم انكشاف الخلاف.
وأمّا الجنون والهرم والنسيان فمضافا إلى قيام الإجماع على عدم جواز التقليد لهم المنفيّ هنا أنّ بينها وبين المقام فرقا ، فإنّ النسيان والجنون والهرم المؤدّي إلى النسيان معدود عرفا نقصا في الإنسان فلا يليق لمنصب الإفتاء والتقليد ، وهذا بخلاف الموت فإنّه شرف ورفعة له لانتقاله إلى عالم التجرّد الرفيع.
وبالجملة ، فأركان الاستصحاب تامّة لا يرد عليها ما ذكر في الكفاية (١) وغيرها (٢) وإنّما يرد عليه أمران :
أحدهما : ما ذكرنا من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكلّية ، لأنّ الحجّية المجعولة لم يعلم مقدار جعلها من أوّل الأمر فيكون الاستصحاب معارضا ، (مع أنّا لو قلنا بحجّية الاستصحاب في الأحكام الكلّية فالحجّية المستصحبة في المقام إن كانت الحجّية الفعليّة فمعلوم أنّها لم تكن متيقّنة ، والحجّية الثانية وإن كانت ثابتة
__________________
(١) انظر كفاية الاصول : ٥٤٧.
(٢) انظر رسالة (التقليد) للشيخ الأنصاري : ٤٠.