لكنّ الكلام كلّ الكلام في أنّه هل يتعين إتيان ما دلّ الدليل الظنّي على وجوبه أوّلا ثمّ إتيان الثاني رجاء أو لا يعتبر ذلك بل يجوز كيف اتّفق؟ ظاهر الميرزا النائيني لزوم تقديم امتثال مؤدّى الدليل الظنّي ثمّ الاحتياط (١) وذلك لبنائه المتقدّم من أنّ الامتثال الإجمالي في طول الامتثال التفصيلي فيقدّم ما دلّ الدليل على اعتباره قاصدا به الامتثال تفصيلا ثمّ يعقب بالصلاة الاخرى المحتملة. وكذا ظاهر جماعة في حواشي نجاة العباد حيث احتاطوا في صلاة المسافر إلى أربع فراسخ مع عدم قصد العود ليومه فقال بعضهم (٢) : يحتاط فيأتي بالقصر أوّلا ثمّ يأتي بالتمام ، لزعمه ترجيح أدلّة القصر ، وآخر (٣) عكس لزعمه ترجيح أدلّة التمام.
والّذي ينبغي أن يقال ـ سواء قلنا بأنّ الامتثال الإجمالي في عرض التفصيلي أو طوله ـ : لا فرق بين تقديم ما دلّ الدليل الظنّي على لزومه وبين تقديم الاحتمالي ، لأنّ الواجب بموجب الدليل الظنّي يلزم أن يجزم به ويقصد به الوجوب ، والثاني يلزم أن يؤتى به رجاء سواء قدّم أو أخّر. وحينئذ فمع اقتران ذي الدليل الظنّي بكلّ ما يعتبر في الواجب وإتيان الآخر رجاء فلا فرق في تقديم أيّهما وتأخير الثاني ، فافهم.
وأمّا إذا كان حجّية الظنّ بدليل الانسداد فهل يجوز الاحتياط والامتثال الإجمالي مع التمكّن من الامتثال الظنّي التفصيلي أم لا يجوز ذلك إلّا إذا تعذّر؟ فإن قلنا بجواز الامتثال الإجمالي في صورتي إمكان العلم والظنّ الخاصّ فجوازه هنا بالطريق الأولى ، وإن لم نقل بجواز ذلك في تينك الصورتين كما ذهب إليه الميرزا النائيني قدسسره (٤) ففيه إشكال. وقد تعجّب الشيخ الأنصاري ممّن يرى العمل بالأمارات
__________________
(١) انظر الفوائد ٣ : ٧٢.
(٢) هو الشيخ الأنصاري ، كما صرّح به في دراسات في علم الاصول ٣ : ٩٨.
(٣) السيّد الشيرازي ، راجع نجاة العباد : ١٣٦.
(٤) فوائد الاصول ٣ : ٧٢.