والظاهر أنّ ما ذكره الشيخ قدسسره ثابت لا غبار عليه ولا يرد عليه أحد الإيرادات المذكورة في المقام أصلا ، مثال ذلك أنّ المولى لو قال : «أكرم العلماء» واحتملنا أن يكون إكرام الفسّاق غير مطلوب بل طلبه مستحيل ، لعدم الملاك واستحالة طلب ما لا ملاك فيه من المولى الحكيم فهل يتوقّف عاقل عن إكرامه؟ كلّا ثمّ كلّا ، بل إنّ بناء العقلاء على إكرامه ما لم يحرز عدم ملاك الأمر فيه.
وأمّا ما ذكره الميرزا قدسسره فلا نعقل له معنى صحيحا ، وذلك أنّ الإمكان والاستحالة ليس أمرا شرعيّا تارة وتكوينيّا اخرى بل هو تكويني دائما ، نعم قد يكون متعلّقه تشريعيّا لا هو ، وهذا لا يخلّ بالمقصود بعد ثبوت البناء العقلائي في الإمكان التكويني.
وأمّا ما ذكره الآخوند قدسسره فوارد لو كان مراد الشيخ قدسسره إثبات مجرّد الإمكان ، ولكنّ الظاهر من الشيخ ظنّا بل اطمينانا أنّ مراد الشيخ أنّ الظواهر الّتي دلّت على حجّية الظنّ هل بناء العقلاء على العمل بها مع الشكّ في إمكان الجعل واستحالته وإنّما يرفعون اليد عن العمل بها عند ثبوت الاستحالة أو أنّها لا يعمل بها ما لم يثبت الإمكان؟ وحينئذ فهنا أثر عملي في بنائهم ، ومع عدم ردع الشارع يحرز منه الإمضاء وليس ظنيّا فقط ، والإمكان ثابت لا جدال فيه بحسب الظاهر.
وبالجملة فالظاهر صحّة ما ذكره الشيخ الأنصاري قدسسره من أنّ الأصل إمكان حجّية الظنّ ما لم يثبت استحالة جعل الحجّية ، كما نسب إلى ابن قبة ذلك ، وقد احتجّ على ذلك باستلزامه تحريم الحلال وتحليل الحرام ، ومراده كما أوضحه المتأخّرون (١) يرجع إلى محذور في مقام الجعل ومحذور في مقام الملاك.
أمّا المحذور الأوّل : فهو أنّ المجعول بالدليل الظنّي إن كان موافقا للحكم الواقعي فهو جمع للمثلين ، وإن كان مخالفا له فهو جمع الضدّين ، وكلاهما محال قطعا بداهة من العقل.
__________________
(١) أجود التقريرات ٣ : ١١٠ و ١٢٣.