الثاني : وهو المحذور في مقام الملاك ، وهو أنّ العدليّة قد استقرّ بناؤهم على تبعيّة الأحكام الواجبة للمصالح الإلزاميّة والأحكام المحرّمة للمفاسد على فعلها بنحو يلزم تركها ، وحينئذ ففي جعل الظنّ حجّة لو أدّى إلى التحريم وكان الحكم الواقعي الإباحة فقد حرّم الحلال ونهانا عن عمل مع عدم ترتّب مفسدة عليه فيكون نهيه جزافيّا ، كما أنّه لو دلّ الظنّ على تحليل شيء كان حراما في الواقع فقد رخّص في حصول المفسدة الّتي يلزم تركها. وبالجملة يلزم أن لا تكون المصالح الإلزاميّة مصالح إلزاميّة ، فافهم وتأمّل.
ونحن نقدّم الجواب عن إشكال الملاك ـ الّذي هو الإشكال الثاني ـ أوّلا ثمّ نتعرّض للجواب عن الإشكال الأوّل الّذي هو إشكال اجتماع المثلين أو الضدّين.
فنقول : إنّ إشكاله الأوّل يكون تارة في صورة قيام الأمارة الظنيّة مثلا على وجوب ما كان مباحا أو حرمته ، واخرى على إباحة ما كان حراما أو واجبا ، وثالثة تقوم الأمارة على وجوب الحرام أو تحريم ما كان واجبا ، ففي الصورة الاولى لا يكون كثير إشكال ، إذ ليس فيه إلقاء في المفسدة ، وجعل الشارع حينئذ يكون من باب ملاحظة المصلحة النوعيّة بالنسبة إلى الأمارات ، إذ الجعل النوعي لا ينافيه عدم فائدة الجعل في فرد مع ثبوت الفائدة في النوع.
[وأمّا الكلام](١) في الصورة الثانية ففي صورة انسداد باب العلم يدور أمر المولى بين أن يجعل الأمارات فيحصل مقدار من الواجبات الواقعيّة أو لا يجعل الأمارة فلا يحصل شيء منها أصلا ، للإجماع على عدم لزوم الاحتياط وبقاء التكاليف الواقعيّة مطلوبة. وبالجملة يدور الأمر بين تحصيل بعض المصالح الإلزاميّة وبين عدم تحصيل شيء أصلا ، وليس الشارع هو الموقع في المفسدة حيث تدلّ الأمارة على إباحة المحرّم ، لأنّه لو لا الأمارة لكان يمكن أن يفعله أيضا ومعها قد يتركه أيضا.
__________________
(١) هنا كلمات غير مقروءة ، لعلّ منها ما أضفناه بين المعقوفتين.