نعم ، حيث يدلّ الدليل الظنّي على حرمة الواجب أو وجوب المحرّم ـ الّذي هو الصورة الثالثة ـ يكون تفويت المصلحة والإلقاء في المفسدة من قبل المولى ولكنّه لا يضرّ ، لأنّه لو لم يفعل ذلك فيأمر باتّباع الدليل الظنّي لفاتت أكثر المصالح ولوقعت أكثر المفاسد الواقعيّة ، وحينئذ فحفظا للمصالح الّتي تدلّ عليها الأمارات وحذرا من المفاسد الّتي تكشف عنها الأمارات يجعل الأمارات ، ولا يضرّ بها حينئذ الوقوع في بعض المفاسد وتفويت بعض المصالح ، فإنّها قليلة جدّا بجنب المصالح المستوفاة من هذا الجعل. وبالجملة المصالح المستوفاة أهمّ من المصالح الفائتة والمفاسد المتجنبة أكثر من المفاسد الواقعة فيقدّم الأهمّ على المهمّ.
وإن كان الفرض صورة انفتاح باب العلم ـ كما هو ظاهر المستدلّ ـ فلا يقبح الجعل لها حينئذ ، إلّا إذا فرض أنّ الإصابة في صورة تحصيل القطع أكثر ، مع أنّه غير معلوم لإمكان اتّكال الإنسان على مقدّمات تفيده القطع ، مع أنّ مخالفتها للواقع أكثر من مخالفة الطرق الظنيّة ، وحينئذ فالفائت أيضا بواسطة جعل الطرق الظنيّة أيضا ليس بواسطة جعل الشارع وإنّما كان من الأوّل بل كان أوّلا أكثر كما هو الفرض.
ولا يرجع هذا إلى الانسداد كما أفاده الأنصاري قدسسره (١) لأنّ الانفتاح لباب العلم معناه إمكان الوصول لا الوصول الواقعي وليس كلّ ممكن واقعا ، فافهم.
ولو فرض أنّ المفاسد المترتّبة على جعل الأمارة أكثر من المفاسد المترتّبة على اتّباع طريق العلم إلّا أنّ هنا مصلحة نوعيّة يلاحظ بها المصالح النوعيّة ، وهي مصلحة التسهيل على المكلّفين باتّباع الأمارات الظنيّة ، لأنّ الرجوع إلى الطرق العلميّة يوجب زيادة مشقّة على المكلّفين ، فتكون المصالح الفائتة على تقدير الجعل متداركة بمصلحة التسهيل ، والمفاسد الواقعة أيضا تقابلها مصلحة التسهيل الّتي هي من المصالح النوعيّة ، على أنّه لو التزمنا بالقبح في هذه الصورة
__________________
(١) راجع الفرائد ١ : ١٠٩.