في ذلك ظاهرا ، لعدم تحقّق نيّة القربة ، لأنّ الشاكّ في كون المأتي به موافقا للمأمور به كيف يتقرّب به؟ وما يرى من الحكم بالصحّة فيما شكّ في صدور الأمر به على تقدير صدوره ، كبعض الصلوات والأغسال التي لم يرد بها نصّ معتبر ، وإعادة بعض العبادات الصحيحة ظاهرا من باب الاحتياط ، فلا يشبه ما نحن فيه ؛ لأنّ الأمر على تقدير وجوده هناك لا يمكن قصد امتثاله إلّا بهذا النحو ، فهو أقصى ما يمكن هناك من الامتثال ، بخلاف ما نحن فيه حيث يقطع بوجود أمر من الشارع ، فإنّ امتثاله لا يكون إلّا بإتيان ما يعلم مطابقته له ، وإتيان ما يحتمله لاحتمال مطابقته له لا يعدّ إطاعة عرفا. وبالجملة : فقصد التقرّب شرط في صحّة العبادة إجماعا ـ نصّا وفتوى ـ وهو لا يتحقّق مع الشكّ في كون العمل مقرّبا ، وأمّا قصد التقرّب في الموارد المذكورة من الاحتياط فهو غير ممكن على وجه الجزم ، والجزم فيه غير معتبر إجماعا ، إذ لولاه لم يتحقّق احتياط في كثير من الموارد مع رجحان الاحتياط فيها إجماعا. وكيف كان ، فالعامل بما تقتضيه البراءة مع الشكّ حين العمل لا يصحّ عبادته وإن انكشف مطابقته للواقع.
____________________________________
وهذا بخلاف العامل بها قبل الفحص حيث إنّه ليس معذورا ، فليس له أمر ظاهري لكي يقصد التقرّب به.
قوله : (وما يرى من الحكم بالصحّة فيما شكّ في صدور الأمر به على تقدير صدوره ... إلى آخره) دفع لما قد يقال من أنّه لو كان الشكّ في كون المأتي به موافقا للمأمور به قادحا في نيّة التقرّب لما صحّ إتيان العبادات التي شكّ في وجوبها بنحو الشبهة الموضوعيّة ، كإعادة العبادات لاحتمال نقص فيها ، أو بنحو الشبهة الحكميّة ، كإتيان الدعاء عند رؤية الهلال بعد الفحص واليأس عن دليل الوجوب.
وكذا لا يصح إتيان العبادات التي شكّ في استحبابها كبعض الأغسال والصلوات المذكورة في كتب الأدعية ، مع أنّ رجحان الاحتياط في الموارد المذكورة وإتيان العبادات باحتمال التقرّب والأمر ممّا لا خلاف فيه ، فالنتيجة هي أنّ الشكّ في كون المأتي به موافقا للمأمور به غير قادح في تحقّق نيّة التقرّب.
وحاصل الدفع ، هو الفرق بين ما ذكر من الموارد المذكورة وبين ما نحن فيه ؛ لأنّ قصد الامتثال لا يمكن تحقّقه في الموارد المذكورة إلّا باحتمال الأمر ، وهذا بخلاف ما نحن فيه