إذا عرفت ما ذكرناه ، فاعلم أنّ المعنى بعد تعذّر إرادة الحقيقة عدم تشريع الضرر ، بمعنى أنّ الشارع لم يشرّع حكما يلزم منه ضرر على أحد ، تكليفيّا كان أو وضعيّا ، فلزوم البيع مع الغبن حكم يلزم منه ضرر على المغبون ، فينتفي بالخبر ، وكذلك لزوم البيع من غير شفعة للشريك ، وكذلك وجوب الوضوء على من لا يجد الماء إلّا بثمن كثير ، وكذلك سلطنة المالك على الدخول إلى عذقه ، وإباحته له من دون استئذان من الأنصاري.
____________________________________
وكما عبّر في الجملة الثانية بهيئة الفعل المجرّد ، لوقوع ضرر خدعتهم على أنفسهم لا محالة.
ومنها : قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ)(١) ووجه الدلالة واضح لا يحتاج إلى البيان ، وكيف كان ، فالشواهد على ذلك كثيرة في الآيات.
وأمّا المقام الثالث فقد أشار إليه المصنّف قدسسره بقوله :
(إذا عرفت ما ذكرناه ، فاعلم أنّ المعنى) ، أي : معنى اللفظين بعد كلمة (لا) الداخلة عليهما في الجملتين.
وبعبارة اخرى : معنى هذه الهيئة التركيبيّة (بعد تعذّر إرادة الحقيقة) ، لأنّ إرادة المعنى الحقيقي مستلزم للكذب ، إذ وجود الضرر فوق حدّ الإحصاء ، والاحتمالات الواردة في معنى الهيئة التركيبيّة وإن كانت كثيرة قد ذكر بعض لها سبعة أو ثمانية احتمالات ، إلّا أنّ العمدة منها ثلاثة وقد قال بكلّ قائل ، وأمّا سائر الاحتمالات ، فهي إمّا تعود إليها بالنتيجة أو ضعيفة يجب الإعراض عنها ، كما في بحر الفوائد بتلخيص ، وذكر المصنّف قدسسره احتمالين منها :
أمّا الاحتمال الأوّل ، فقد أشار إليه قدسسره بقوله :
(إنّ المعنى بعد تعذّر إرادة الحقيقة عدم تشريع الضرر ، بمعنى أنّ الشارع لم يشرّع حكما يلزم منه ضرر على أحد ، تكليفيّا كان أو وضعيّا ... إلى آخره).
وحاصل الكلام في هذا المقام ، هو أنّ المراد من نفي الضرر في الشرع هو نفي الحكم
__________________
(١) التوبة : ١١١.