وأمّا سيرة العلماء فقد استقرّت في باب الألفاظ على التمسّك بالاصول الوجوديّة والعدميّة كلتيهما.
قال الوحيد البهبهاني في رسالته الاستصحابيّة ـ بعد نقل القول بإنكار اعتبار الاستصحاب مطلقا عن بعض وإثباته عن بعض ، والتفصيل عن بعض آخر ـ ما هذا لفظه : «لكنّ الذي نجد من الجميع حتى من المنكر مطلقا ، أنّهم يستدلّون بأصالة عدم النقل ، فيقولون : الأمر حقيقة في الوجوب عرفا ، فكذا لغة ، لأصالة عدم النقل ، ويستدلّون بأصالة بقاء المعنى اللغوي ، فينكرون الحقيقة الشرعيّة إلى غير ذلك ، كما لا يخفى على المتتبّع».
____________________________________
الأصلي»).
وهذا الكلام من التفتازاني ظاهر في خروج الاستصحاب في الأمر العدمي والنفي الأصلي عن محلّ النزاع ، ولعلّ مراده من استصحاب النفي الأصلي هو استصحاب عدم التكليف قبل الشرع ، المسمّى بالبراءة الأصليّة حيث إنّها حجّة بالإجماع ، كما يظهر من كلام جماعة على ما سيجيء ذكره في كلام المصنّف قدسسره.
(وأمّا سيرة العلماء) فخارجة عمّا نحن فيه ، لكونها قد استقرّت في باب الألفاظ ، ومن المعلوم أنّ الاصول في باب الألفاظ حجّة من باب بناء العقلاء وأهل العرف ، وليست مبتنية على حجيّة الاستصحاب ، وإنّما حجيّتها من باب إفادة الظنّ النوعي الذي يعتمد عليه أهل اللسان من غير فرق بين الاصول الوجوديّة والعدميّة ، ولذا تمسّكوا بالاصول الوجوديّة ، كأصالة بقاء المعنى الأوّل ، والاصول العدميّة ، كأصالة عدم القرينة.
فالمتحصّل ، هو أنّ حجيّة الاصول اللفظيّة في باب الألفاظ منوطة بالظهور النوعي المعتبر عند أهل اللسان من دون فرق بين الاصول الوجوديّة والعدميّة ، فلا تكون ـ حينئذ ـ السيرة الجارية في باب الألفاظ دليلا على خروج العدميّات عن محلّ النزاع في باب الاستصحاب ، بل لا ارتباط بينهما أصلا.
وما ذكرناه من اختصاص السيرة المذكورة في باب الألفاظ ظاهر كلام الوحيد البهبهاني قدسسره حيث قال ما هذا لفظه :
(«لكنّ الذي نجد من الجميع حتى من المنكر مطلقا ، أنّهم يستدلّون بأصالة عدم النقل ، فيقولون : الأمر حقيقة في الوجوب عرفا ، فكذا لغة ، لأصالة عدم النقل ، ويستدلّون بأصالة