فعلم ممّا ذكرنا أنّه لا وجه لما ذكره صاحب القوانين ، من امتناع إرادة المعاني الثلاثة من الرواية ، أعني : قاعدة الطهارة في الشبهة الحكميّة وفي الشبهة الموضوعيّة واستصحاب الطهارة ، إذ لا مانع عن إرادة الجامع بين الأوّلين ، أعني : قاعدة الطهارة في الشبهة الحكميّة
____________________________________
والوجه الآخر القوي هو جريان القاعدة في مورد استصحاب النجاسة ، وذلك لتحقّق الشكّ ، غاية الأمر هو حكومة الثاني على الأوّل وذلك لأنّ لسان أدلّة الاستصحاب بقاء النجاسة السابقة ، فتكون شارحة ومضيّقة لدائرة (كلّ شيء طاهر حتى تعلم أنّه قذر) ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي بتصرّف واختصار.
ثمّ على تقدير اختصاص الرواية بقاعدة الطهارة يكون مفادها قاعدة الطهارة في الشبهات الموضوعيّة والحكميّة معا ، فكما تدلّ الرواية على أصالة الطهارة في الشبهات الموضوعيّة كما إذا شكّ في أنّ هذا المائع ماء أو بول ، كذلك تدلّ على أصالة الطهارة في الشبهات الحكميّة كما إذا شكّ في طهارة عذرة الطير غير المأكول ، وذلك بأن يكون المراد من الشيء أعمّ من الكلّي والجزئي بطريق الاشتراك المعنوي ، وليس ما يمنع من إرادة هذا المعنى العامّ إلّا توهّم لزوم استعمال اللفظ في أكثر من معنى ، كما عن صاحب القوانين قدسسره ، ولا بدّ أوّلا : من تقريب التوهّم هنا ، وثانيا : من ردّه وبيان كونه فاسدا.
أمّا تقريب التوهّم ، فحاصله : لزوم استعمال اللفظ الواحد ـ وهو قوله عليهالسلام : (حتى تعلم أنّه قذر) ـ في أكثر من معنى واحد على تقدير إرادة قاعدة الطهارة في الشبهات الحكميّة والموضوعيّة معا ، لأنّ المراد من العلم في الشبهة الحكميّة هو العلم الحاصل من الأدلّة الشرعيّة ، وفي الشبهة الموضوعيّة هو العلم الحاصل من الأمارات الخارجيّة ، فيلزم استعمال الغاية في أكثر من معنى واحد.
وأمّا ردّه : أن نقول بعدم لزوم استعمال اللفظ الواحد في أكثر من معنى واحد في المقام ، وذلك لأنّ المراد بالعلم معناه الحقيقي الوجداني وهو واحد لا يتعدّد بتعدّد الأسباب ، فما ذكره صاحب القوانين قدسسره وجها للحكم بعدم إمكان الجمع بين الشبهات الحكميّة والموضوعيّة في الإرادة من الخبر للزوم استعمال اللفظ الواحد في أكثر من معنى واحد ، حيث قال : فلا بدّ من الحكم باختصاص الخبر بالشبهات الموضوعية لظهوره فيها لا يرجع إلى محصّل صحيح ، (إذ لا مانع عن إرادة الجامع بين الأوّلين ، أعني : قاعدة الطهارة في