المفتي في مثل الفرض ليس من باب الظنّ ، بل من باب التعبّد المحض.
مضافا إلى عدم الدليل على حجّيّة الظنّ بالإضافة إليه ، بل الدليل على عدمها قائم كذلك.
وإن كان المراد عموم ما دلّ على حجّيّة الظنّ بالإضافة إلى المفتي ، فهو على تقدير تسليمه بحيث يشمل ما نحن فيه أيضا غير مفيد ؛ لعدم ارتباطه بالمدّعى ، مضافا إلى عدم تكرّر الحدّ الأوسط ، فلا يلزمه النتيجة المدّعاة.
مضافا إلى استلزامه لعدم حجّيّته ، بناء على حصول الظنّ لهذا المفتي الحيّ ، بخلاف ما أفتى به المفتي الميّت في المسائل المخالف هو له فيها ، وبعد ضميمة عدم القائل بالفصل المدّعى ، لا يتمّ المدّعى ، وهو خلاف مدّعى المستدلّ ؛ فهذا الوجه دليل لنا في الجملة أو مطلقا ، لا علينا.
مضافا إلى أنّه يرد على هذا الوجه هنا زيادة على ما ذكر بعض ما ذكرنا سابقا في الجواب عن هذا الوجه أيضا ؛ فتنبّه.
ومنها : ما يمكن أن يقال أيضا : عموم قوله سبحانه : ﴿ فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ﴾(١) إلى آخر الآية.
فإنّ المستفاد من ظاهره رجحان اتّباع أحسن القول ، وبعد انضمام ما يستفاد من إطلاق قوله سبحانه : ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً ﴾(٢) من أنّ المفتي الجامع للشرائط أيضا ممّن دعا إلى الله وعمل صالحا ، وأنّه أحسن قولا ولو كان ميّتا ، إلى ذلك يتمّ المدّعى ، كما لا يخفى.
وفيه أيضا ما لا يخفى ، فإنّ هاتين الآيتين معا وإن اقتضتا ذلك ظاهرا بشهادة الإنصاف ، إلّا أنّهما لمعارضتها بالمثل ، أو بما هو أرجح منهما من وجوه شتّى ممّا مضى من العمومات ـ ولا سيّما عموم قوله سبحانه : ﴿ وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ ﴾(٣) ،
__________________
(١) الزمر (٣٩) : ١٩.
(٢) فصّلت (٤١) : ٣٣.
(٣) فاطر (٣٥) : ٢٢.