______________________________________________________
وأمّا الحديثان الآخران فانّ تقييدهما لا يضرّنا ، لأنّهما يقيدان بوجود الإمام أو من يقوم مقامه ، فيدلان على وجوب الجمعة مع الشرائط ، وإن تحتمت مع ظهوره للإجماع على انتفاء الوجوب الحتمي في الغيبة.
الثّالث : استصحاب الحال ، فإنّ الإجماع من جميع أهل الإسلام على وجوب الجمعة في الجملة حال ظهور الامام عليهالسلام بالشّرائط ، فيستصحب الى زمان الغيبة.
فإن قيل : شرطه ظهور الإمام فينتفي. قلنا : ممنوع ، ولم لا يجوز أن يكون شرطا لتحتم الوجوب ، فيختصّ بالانتفاء بانتفائه.
فإن قيل : يلزم بحكم الاستصحاب الوجوب حتما. قلنا : هناك أمران : أحدهما : أصل الوجوب في الجملة ، والآخر : تحتمه وتعين الفعل. والّذي يلزم استصحابه هو الأوّل دون الثّاني ، لما عرف من أنّ تحتم الوجوب مشروط بظهوره عليهالسلام بإجماعنا. إذا تقرّر ذلك فهنا مباحث :
الأوّل : اختلفت عبارات القائلين بالجمعة في الغيبة ، فبعضهم عبّر بالجواز كما في عبارة الكتاب (١) ، وبعضهم بالاستحباب (٢).
وليس المراد بالجواز معناه الأخص ـ وهو ما استوى طرفا فعل متعلّقه وتركه ، بالنسبة إلى استحقاق الثّواب والعقاب قطعا ـ لأنّ الجمعة عبادة ، ولا بد في العبادة من رجحان ، ليتصور كونها قربة.
وإنّما المراد به : المعنى الأعمّ ، وهو مطلق الإذن في الفعل الّذي هو جنس للوجوب وإخوته الثلاثة.
وكذا ليس المراد بالاستحباب : إيقاعها مندوبة ، لأنّها تجزئ عن الظهر الواجبة ، للإجماع على عدم شرعيّة الظّهر مع صحّة الجمعة ، ولا شيء من المندوب
__________________
(١) الشيخ في النهاية : ٣٠٢ ، وأبو الصلاح في الكافي في الفقه : ١٥١ ، والشهيد في الذكرى : ٢٣١.
(٢) منهم : الشيخ في الخلاف ١ : ١٤٤ مسألة ٤٣ صلاة الجمعة ، والمحقق في المعتبر ٢ : ٢٩٧ ، والعلامة في التذكرة ١ : ١٤٥.