______________________________________________________
تختلف القبلة باختلاف حال المصلّي ، باعتبار قربه من الكعبة بحيث يكون مشاهدا لها ، أو متمكنا من المشاهدة على وجه لا تلزم منه مشقة كثيرة عادة ، كالمصلّي في بيوت مكة أو الأبطح ، وباعتبار بعده منها بحيث لا يكون كذلك.
فالأوّل قبلته الكعبة لتمكّنه من محاذاتها ، وأمّا الثّاني فقبلته جهتها لعدم التمكّن من المحاذاة. وهذا هو أصحّ القولين (١) ، للأخبار الدالة على أن الاستقبال كان الى بيت المقدّس ، ثم حوّل إلى الكعبة (٢) ، ولأنّ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم صلّى قبل الكعبة وقال : « هذه القبلة » (٣).
وقال الشّيخ (٤) وجمع من الأصحاب (٥) : إن الكعبة قبلة من في المسجد ، وهو قبلة من في الحرم ، وهو قبلة أهل الدّنيا ، وبه أخبار لا تخلو من ضعف (٦).
ونزّلها في الذّكرى على أنّ ذكر المسجد والحرم إشارة إلى الجهة (٧) ، ويرد على هذا القول لزوم بطلان صلاة الصّف المستطيل في جهة من الجهات خارج الحرم بحيث يزيد طوله على سعة الحرم ، إذ من المعلوم أنّ في البلاد المتباعدة سمت القبلة يخرج عن سعة الحرم ، واللازم معلوم الانتفاء.
إذا تقرّر هذا فقد قال المصنّف في التّذكرة : جهة الكعبة هي ما يظن أنّه الكعبة حتّى لو ظنّ خروجه عنها لم يصح (٨) ، وفي هذا التفسير نظر من وجهين :
الأوّل : أنّ البعيد لا يشترط لصحّة صلاته ظنّه محاذاة الكعبة لأنّ ذلك لا يتفق غالبا ، فانّ البعد الكثير يخل بظن محاذاة الجرم اللطيف ، فيمتنع اشتراطه في الصّلاة.
الثّاني : أنّ الصّف المستطيل في البلاد البعيدة ، إذا زاد طوله على مقدار الكعبة
__________________
(١) ذهب اليه ابن الجنيد كما نقله عنه في المختلف : ٧٦ ، وابن إدريس في السرائر : ٤٢ ، والمحقق في المعتبر ٢ : ٦٥.
(٢) الفقيه ١ : ١٧٨ حديث ٨٤٣.
(٣) سنن البيهقي ٢ : ٩.
(٤) النهاية : ٦٢ ـ ٦٣.
(٥) منهم : المفيد في المقنعة : ١٤ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٨٢ ، وسلار في المراسم : ٦٠ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٤٩٤.
(٦) منها : ما رواه في الفقيه ١ : ١٧٧ حديث ٨٤٠ ، التهذيب ٢ : ٤٤ حديث ١٣٩ وغيرها.
(٧) الذكرى : ١٦٢.
(٨) التذكرة ١ : ١٠٠.