______________________________________________________
يقطع بخروج بعضهم عنها ، فيجب الحكم ببطلان صلاتهم ، وأظهر من هذا من يصلّي بعيدا عن محراب النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بأزيد من مقدار الكعبة ، فإنّ خروجه عن محاذاتها مقطوع به.
وقال في الذّكرى : المراد بالجهة : السّمت الّذي يظن كون الكعبة فيه لا مطلق الجهة ، كما قال بعض العامة (١) : إن الجنوب قبلة لأهل الشمال وبالعكس ، والمشرق قبلة لأهل المغرب وبالعكس (٢) ، وما ذكره لا يكاد يخرج عن كلام التّذكرة ، لأنّ الظّاهر أنّ مراده بالسمت هو ما يسامته المصلّي ، ويحاذيه عند توجّهه إليه ، وقد عرفت أنّ ظن كون الكعبة فيه غير شرط.
والّذي ما زال يختلج بخاطري ، أنّ جهة الكعبة هي المقدار الّذي شأن البعيد أن يجوّز على كلّ بعض منه أن يكون هو الكعبة ، بحيث يقطع بعدم خروجها عن مجموعه ، وهذا يختلف سعة وضيقا باختلاف حال البعد.
فان قلت : يرد عليه المصلّي بعيدا عن محراب المعصوم بأزيد من سعة الكعبة ، فإنّه لا يجوز على ذلك السّمت أن تكون فيه الكعبة ، لأنّ المحراب يجب أن يكون إلى الكعبة ، لاستحالة الغلط على المعصوم. قلت : لما كانت قبلة البعيد هي الجهة تعيّن أن يكون محراب المعصوم إليها ، بحيث لا يحتمل الانحراف أصلا ولو قليلا ، أمّا كونه محاذيا لعين الكعبة فليس هناك قاطع يدلّ عليه ، فيبقى التّجويز المعتبر في تعريف الجهة بحاله.
واعلم أنّ المصنّف جعل المطلب الأوّل في ماهيّة القبلة ، وفسّرها بالكعبة والجهة ، وليس ذلك هو الماهية ، بل ما صدق عليه القبلة ، وعذره أنّ المطلوب هنا بيان ما يجب على المصلّي التّوجه إليه ، فلو اشتغل ببيان المفهوم فات المطلوب. وأراد بحكم المشاهد من تمكنه المشاهدة بغير مشقة كثيرة.
__________________
(١) فتح العزيز « مع المجموع » ٣ : ٢٤٢.
(٢) الذكرى : ١٦٢.