والقادر على العلم لا يكفيه الاجتهاد المفيد للظن ، والقادر على الاجتهاد لا يكفيه التقليد.
ولو تعارض الاجتهاد وإخبار العارف رجع إلى الاجتهاد.
______________________________________________________
والأمارة هي ما يفيد الظّن ، وأكثر ما سبق من العلامات يفيد القطع بالجهة في الجملة ، فلا يقصر عن محاريب المسلمين المنصوبة في مساجدهم وطرقهم كالجدي ونحوه ، فكان حقّ العبارة أن يقول : فإن جهلها عوّل على ما يفيد القطع من العلامات ، ثم على ما يفيد الظّن.
ويمكن أن يقال : العلامات المذكورة وإن أفاد بعضها القطع بالجهة في الجملة ، فإنّها بالإضافة إلى نفس الجهة إنّما تفيد الظّن ، لأنّ محاذاة الكواكب المخصوصة على الوجه المعيّن مع شدّة البعد إنّما يحصل به الظّن ، فيندرج الجميع فيما وضعه الشرع أمارة.
وينقّح ذلك بقوله : ( والقادر على العلم لا يكفيه الاجتهاد المفيد للظّن ) فيستفاد منه : أنّ القادر على القبلة بالجدي حال استقامته مثلا لا يكفيه التعويل على كون القمر ليلة السّابع من الشّهر في وقت المغرب محاذيا لقبلة المصلّي ، وليلة الرّابع عشر منه نصف اللّيل ، وليلة الحادي والعشرين منه عند الفجر ، فإنّه ينتقل في المنازل فيغرب في ليلة كونه هلالا على نصف سبع اللّيل ، لأنّ ذلك تقريبي يزيد وينقص.
قوله : ( والقادر على الاجتهاد لا يكفيه التّقليد ).
لأنّ في مضمر سماعة : « اجتهد رأيك وتعمّد القبلة جهدك » (١) ، ولوجوب الأخذ بأقوى الطّريقين ، ولا فرق في ذلك بين العارف بأدلة القبلة ، والمتمكّن من معرفتها لعدم المشقة في ذلك ، بخلاف العامي بالنّسبة إلى دلائل الفقه لما فيه من المشقّة المفضية إلى اختلال أمور معاشه.
واعلم أنّ التّقليد هو قبول قول الغير المستند إلى الاجتهاد ، أمّا المخبر عن يقين بأحد طرق اليقين فهو شاهد ، وليس قبول خبره من التّقليد في شيء.
قوله : ( ولو تعارض الاجتهاد وإخبار العارف رجع إلى الاجتهاد ).
لأنّه ليس من أهل التّقليد ، وفي الذكرى : أن رجوعه إلى أقوى الظّنين قريب
__________________
(١) الكافي ٣ : ٢٨٤ حديث ١ ، التهذيب ٢ : ٤٦ حديث ١٤٧ ، الاستبصار ١ : ٢٩٥ حديث ١٠٨٨.