جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (٩٠))
ثم عاد الكلام إلى ذكر المنافقين فقال : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ) فما لكم تفرّقتم في أمر المنافقين فئتين ، أي : فرقتين ، فمنكم من يكفّرهم ومنكم من لم يكفّرهم. ونصبه على الحال ، وعاملها «ما لكم» ، كقولك : مالك قائما ، و «في المنافقين» حال من «فئتين» أي : متفرّقين حال كون تفرّقكم فيهم. ومعنى الافتراق مستفاد من الفئتين.
والمراد منهم قوم استأذنوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في الخروج إلى البدو ، لرداءة هواء المدينة ، فلمّا خرجوا لم يزالوا راحلين مرحلة مرحلة حتى لحقوا بالمشركين ، فاختلف المسلمون في إسلامهم ، فنزلت هذه الآية.
وقيل : نزلت في المتخلّفين يوم أحد ، الذين قالوا : (لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لَاتَّبَعْناكُمْ) (١). أو في قوم هاجروا ثم رجعوا معتلّين برداءة هواء المدينة والاشتياق إلى الوطن. وهذا القول مرويّ عن أبي جعفر عليهالسلام.
وقيل : في قوم أظهروا الإسلام وقعدوا عن الهجرة.
(وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ) ردّهم إلى حكم الكفرة ، أو نكّسهم إلى النار (بِما كَسَبُوا) بما فعلوا من الرجوع إلى المشركين ، أو بالتقاعد عن القتال. وأصل الإركاس والنكس ردّ الشيء مقلوبا بحيث يصير أعلاه أسفله وأسفله أعلاه. (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا) أي : تجعلوه من جملة المهتدين (مَنْ أَضَلَّ اللهُ) من جعله الله من جملة
__________________
(١) آل عمران : ١٦٧.