وعن زيد بن ثابت أنّها نزلت ولم يكن فيها «غير أولي الضرر» ، فقال ابن أمّ مكتوم : وكيف وأنا أعمى؟ فغشي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في مجلسه الوحي ، فوقعت فخذه على فخذي حتى خشيت أن ترضّها ، ثم كشف عنه الوحي فقال : اكتب : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ).
(وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) ومنهاج دينه ، لتكون كلمة الله هي العليا (بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) أي : لا مساواة بينهم وبين من قعد عن الجهاد من غير علّة.
وفائدته تذكير ما بينهما من التفاوت ليرغب القاعد في الجهاد ، رفعا لرتبته ، وأنفة عن انحطاط منزلته.
(فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً) فضيلة ومزيّة. ونصبه بنزع الخافض ، أي : بدرجة. أو على المصدر ، لأنّه تضمّن معنى التفضيل ووقع موقع : مرّة ، فيكون «درجة» في معنى : تفضيلا ، نحو : ضربته سوطا ، أي : ضربته ضربة. أو على الحال ، بمعنى ذوي درجة. وهذه الجملة الفعليّة موضحة لما نفي من استواء القاعدين والمجاهدين ، كأنّه قيل : ما لهم لا يستوون؟ فأجيب بذلك.
(وَكُلًّا) من القاعدين والمجاهدين (وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) المثوبة الحسنى ، وهي الجنّة ، لحسن عقيدتهم ، وخلوص نيّتهم. وإنّما التفاوت في زيادة العمل المقتضي لمزيد الثواب.
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لقد خلّفتم بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلّا كانوا معكم».
وهم الّذين صحّت نيّاتهم ، ونصحت (١) جيوبهم ، وهوت أفئدتهم إلى الجهاد ، وقد منعهم من المسير ضرر أو غيره.
__________________
(١) رجل ناصح الجيب ، أي : نقيّ القلب. الصحاح ١ : ٤١١.