ولمّا ذكر في الآية المتقدّمة أهل الشرك وضلالهم ، ذكر في هذه الآية حالهم وفعالهم ، فقال : (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً) يعني : اللات والعزّى ومناة ونائلة ونحوها. وهي جمع أنثى ، كرباب وربّى (١). عن الحسن لم يكن حيّ من أحياء العرب إلّا ولهم صنم يعبدونه ، ويسمّونه أنثى بني فلان ، وذلك إمّا لتأنيث أسمائها ، وإمّا لأنّها كانت جمادات ، والجمادات تؤنّث من حيث إنّها ضاهت الإناث لانفعالها.
ولعلّه تعالى ذكر هذه الأصنام بهذا الاسم تنبيها على أنّهم يعبدون ما يسمّونه إناثا ، لأنه ينفعل ولا يفعل ، ومن حقّ المعبود أن يكون فاعلا غير منفعل ، ليكون دليلا على تناهي جهلهم وفرط حماقتهم.
وقيل : كانوا يقولون في أصنامهم : هنّ بنات الله. وقيل : المراد الملائكة ، لقولهم : الملائكة بنات الله.
وذكر أبو حمزة الثمالي في تفسيره قال : كان في كلّ واحدة منهنّ شيطانة أنثى تتراءى للسّدنة وتكلّمهم ، وذلك من صنع الشيطان الّذي ذكره سبحانه بعد ذلك.
(وَإِنْ يَدْعُونَ) وما يعبدون بعبادتها (إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً) عاريا عن الخير ، لأنّه الّذي أغراهم بعبادتها فأطاعوه ، فجعل طاعتهم له في ذلك عبادة له. والمارد
__________________
(١) الربّى : الشاة التي وضعت حديثا ، وجمعها : رباب. الصحاح ١ : ١٣١.