أردتم القيام ، كقوله : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) (١). عبّر عن إرادة الفعل بالفعل المسبّب عنها ، للإيجاز ، والتنبيه على أنّ من أراد العبادة ينبغي أن يبادر إليها بحيث لا ينفكّ الفعل عن الإرادة. أو إذا قصدتم الصلاة ، لأنّ التوجّه إلى الشيء والقيام إليه قصد له.
وظاهر الآية يوجب الوضوء على كلّ قائم إلى الصلاة وإن لم يكن محدثا ، والإجماع على خلافه ، لما روي : «أنّه صلّى الصلوات الخمس بوضوء واحد يوم الفتح ، فقال عمر : صنعت شيئا لم تكن تصنعه! فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : عمدا فعلته».
فقيل : مطلق أريد به التقييد. والمعنى : إذا قمتم إلى الصلاة محدثين.
وقيل : كان في بدء الإسلام يجب الوضوء لكلّ صلاة ، فنسخ.
وهو ضعيف ، لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «المائدة من آخر القرآن نزولا ، فأحلّوا حلالها ، وحرّموا حرامها».
(فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) أمرّوا الماء عليها. ولا حاجة إلى الدلك ، خلافا لمالك. وحدّ الوجه من قصاص شعر الرأس إلى محادر شعر الذقن طولا ، وما دخل بين الوسطى والإبهام عرضا ، حقيقة أو حكما. وهو المرويّ عن أئمّتنا عليهمالسلام. ولا يجب إيصال الماء إلى تحت الشعور ، لعدم صدق الوجه على ما تحتها ، فإنّ الوجه عبارة عمّا يتواجه عند التخاطب ويتراءى.
ووجه تخصيص هذا الخطاب بالمؤمنين ، مع أنّ الكفّار أيضا مكلّفون بالفروع على المذهب الحقّ ، أنّ المؤمنين هم المتهيّؤن للامتثال المنتفعون بالأعمال.
(وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) جمع مرفق ، وهو المكان الّذي يرتفق به ، أي : يتّكأ عليه من اليد. أجمعت الأمّة على أنّ من بدأ في غسل اليدين من المرفقين صحّ وضوءه ، واختلفوا في صحّة وضوء من بدأ من الأصابع إلى المرفق. وأصحابنا
__________________
(١) النحل : ٩٨.